عاش "فهد عافت" حياةً مليئة بالتعب والعذاب، حتى مطلع العقد المنصرم حينما ساقته الأقدار لتحولات بارزة، أهمها نشوء علاقة بينه وبين الأمير الكريم "عبدالعزيز بن فهد" الذي أسهم بكرمه المشهود، في نقلة نوعية في حياته، أوجزها عافت في حديث تلفزيوني شهير بقوله: "الله ينساني إذا نسيت عبدالعزيز بن فهد"..
تبدلت حاله، والله وحده هو القادر على أن يبدل حياتنا من حال إلى حال في غمضة عين، ومع ذلك بقي وفياً لتفاصيل حياته الماضية.. وفياً لحالة البؤس ومطحنة الشقاء.. وفياً لرعشات البرد وقرصات الجوع.. وفياً للرجال الذين ساندوه، ودعموه، وأعطوه، ووقفوا معه.. يذكرهم، ويُذكّر بهم، ويعزو لهم، وإليهم، الفضل بعد الله.
قبل ليلتين خرج النادر "فهد عافت" في حالة تجلٍ جميلة على متابعيه في "إنستجرام" بعبارة بالغة الروعة والدلالة، حينما قال: "اللهم لك الحمد.. أنا الذي عشت يتيماً فقيراً حتى إنني نمت يوماً في أحد شوارع الرياض من التعب وانعدام المأوى.. اليوم أختار هذا المكان لقضاء ساعات مرح مع أطفالي.. اللهم لك الحمد والشكر والفضل والمنة".
لست من أصدقاء فهد عافت -وإن كان يشرفني ذلك- ولست من الذين زاملوه، وإن كانت تلك فرصة لم تتهيأ لي، التقيته مرة عابرة قبل 9 سنوات، لكنني أجزم يقيناً بعين الراصد، أن هذه العبارة صدرت عن إنسان نادر في عالمنا اليوم، لم تغيّر النعمة من تعامله مع حاضره وماضيه -وإن لم يكن ثرياً بمفهوم الثراء- لكن حالته اليوم كما يعبّر عنها جديرة بالشكر والذكر.. يقول في عبارة رائعة أخرى تصلح عنواناً لسيرة ذاتية: "ليس لنا من الأمر شيء يا صاحبي".. ويقول في موقع آخر: "أنا من كل خير أخذت بفضل الله ورحمته أكثر مما أستحق بكثير"..
فهد عافت شاعر وكاتب وصحفي جميل، لكنه إنسان أجمل.. وغير مرة أكرر أن مشكلتنا ليست فيمن ولد ثرياً وعاش بيننا ثرياً.. الإنسان الذي عاش في نعمة منذ نشأته، لا يمكن لك أن تلاحظ أي تغيّر يطرأ على سلوكه أو علاقته بالآخرين، مشكلتنا تكمن فيمن نام وفي فمه ملعقة من تراب؛ واستيقظ وفي فمه ملعقة من ذهب.. هؤلاء الذين لبسوا ثياباً ليست ثيابهم.. مؤكد أنكم تتذكرون كثيراً من هؤلاء الآن.. ممن تنكروا لبداياتهم!
تعلمّوا من "فهد عافت".. تعلموا منه الوفاء، تعلموا منه شكر النعمة..
شكراً "فهد عافت" لأنك تقدم لنا كل يوم درساً جديداً.