"وهل نحن بحاجة لمن يعلمنا المنكرات يا سعيد؟!"، كانت هذه الجملة هي التي انطلقت بسرعة على لساني، بعد فراغي من قراءة مقال الصديق الدكتور سعيد السريحي في صحيفة "عكاظ" يوم الخميس الماضي الذي نشره في زاويته اليومية المتميزة "ولكم الرأي" وكان تحت عنوان "هل تحديد المنكرات من صلاحية الهيئة؟!"، والمقال جاء تعليقاً على مطالبة "مجلس الشورى" لهيئة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" بتحديد وتوضيح المنكرات التي ينكرونها، ويستشهد الأخ السريحي في بداية مقاله بتغريدة لأستاذنا "عبدالله الشريف" قال فيها: إن تحديد المنكرات من اختصاص العلماء المختصين وليس الهيئة، ثم استنكر السريحي على مجلس الشورى أن تفوته هذه المسألة حين طالب الهيئة، بينما هو –كما يفترض– مجلس تشريعي! والحقيقة أن عجبي لا ينتهي من "مجلس الشورى، ومن الشريف، ومن السريحي"، فهل "التحرش بامرأة في طريق أو سوق، وتصنيع الخمر وبيعه وشربه، والتأخر عن الصلاة أو عدمها، وابتزاز النساء عن طريق الصور أو الأفلام، والسحر والشعوذة" تحتاج إلى من يدلنا على أنها منكرات يا أيها الناس؟!

إن هذه "المنكرات" المذكورة معروفة –فيما أعتقد– للكبير والصغير، المتعلم والأمي، في دنيا المسلمين كلهم، بل وفي معظم العالم، فهل تحتاج لتحديد، ثم –بالله عليك يا سعيد– هل هذه المنكرات الواضحة المعروفة تحتاج إلى من ينكر ويطارد، ويقبض في الطرقات والأسواق، أم تحتاج إلى قوانين واضحة، وإجراءات قانونية لضبطها أو التبليغ عنها؟

أرجوك أجبني بموضوعية؟ ثم إذا علمت –وأنت تعلم قطعاً– أن الخمور من اختصاص الإدارة العامة لمكافحة المخدرات وهي جهاز عسكري ومدني قائم وموجود ويؤدي دوره باقتدار، وأن التحرش والابتزاز المباشر أو الإلكتروني من اختصاص الشرطة في العالم كله، وأن الصلاة لا تحتاج إلى من يجبر المسلمين على أدائها في الدنيا كلها، فهم يصلون حتى في البلدان التي توجد فيها "بارات ومراقص" ملاصقة لمساجد المسلمين وقد رأيت وعشت ذلك سنين في بريطانيا، وأن السحر والشعوذة من اختصاص الرقاة والأطباء النفسيين، ولا أكثر من الرقاة في بلادنا حتى ليكاد يكون لدينا -راقٍ لكل مواطن- .

وأخيراً، فإن للزميل العزيز السريحي مقالات كثيرة ملفتة ومتميزة، تدل على وعيه العميق، ومعرفته الواسعة المعهودة عنه، وتلك المقالات تستحق التوقف، والمناقشة، والتوسع، فأنا من قرَّائه الدائمين، كاتباً، وناقداً، وشاعراً، لكن هذا المقال بالتحديد توقفت عنده كثيراً لأن "السريحي" يلوم الشورى الذي لم يلفت نظره أنه –كما يفترض– مجلس تشريعي وهذه مهمته، بينما أنا ألوم السريحي –ذاته– كيف لم يلفت نظره أن المنكرات التي تباشرها الهيئة، معروفة للناس في الدنيا كلها، والجهات التي تؤديها معروفة، ومع ذلك يريد "الدكتور" من مجلس الشورى أن يدرس ويشرع، وهذا يذكرني بمقال شهير للدكتور غاز القصيبي، رحمه الله، عنوانه – حسب ما أتذكر-: "من أعظم المشقات توضيح الواضحات وشرح البديهيات"، ولهذا أنتظر "السريحي"!