تصوروا ولو لمجرد الخيال، أن حريق مستشفى جازان العام قد حدث في أحد السجون وبنفس أرقام الشهداء والمصابين: كيف سنكون مع مثل هذا المشهد؟ وكيف سنتحول إلى قصة خبرية عالمية مجلجلة؟ كيف ستفرح عشرات ألسنة الإرجاف والتزوير لتقول إنه حادث مدبر هدفه التخلص من عشرات سجناء فئة الضلال والإرهاب؟ هنا سأكتب القصة المذهلة: في سجن الحائر وقبل ما يقرب من 3 أعوام شب حريق هائل في قلب أهم المواقع الأمنية وأكثرها صرامة وكانت النتيجة النهائية: لم يختنق أحد. لكن المفارقة النقيض فيما يلي: بالأمس يقول لي واحد من أشهر أساتذة الولادة والتلقيح الصناعي إنه كان ضمن لجنة تقييم أحد المستشفيات، عندما لا حظ وجود (السلاسل) على كل مخارج الطوارئ الخمسة، وعندما اعترض على هذا الإجراء لم يجد سوى الجواب الساذج من مدير المستشفى: يا أخي أنا مؤتمن على أعراض الناس ولن أسمح أبدا لهذه الأبواب أن تخترق هذه الأمانة. ولكم أن تتخيلوا كيف وصلت عقليتنا الإدارية إلى التفكير في أن مخارج الطوارئ، وفي مشفى للأطفال والولادة، قد تتحول إلى مخارج رذيلة.
تقول الأخبار المؤكدة، إن وزارة الصحة حطمت مئات، بل آلاف السلاسل على مئات الأبواب من مخارج الطوارئ في الساعات القليلة بعد حادثة جازان. هذا بعد أن سار الركبان بذات الأخبار التي تقول إن 7 نساء فقط، وجدن صرعى وقتلى تحت سلسلة واحدة لمخرج طوارئ في مستشفى جازان العام، وأنا لا أعلم عن حال البقية ولا عن نهاياتهم الحزينة المؤسفة. أمام وزارة الصحة واحد من خيارين: إما أن تقيم متحفا لآلاف السلاسل التي حطمتها بالأمس على آلاف مخارج الطوارئ في كل نقاطها الصحية الوطنية، وإما أن تفكك كل السلاسل الإدارية البشرية التي قادت إلى هذه الكارثة. إما أن نقيم متحفا للحديد الذي صاغ هذه السلاسل وإما أن نقيم متحفا للكوادر البشرية التي أوصلتنا لهذه الكارثة. وإن لم يحدث معالي وزير الصحة ثورة شاملة مكتملة تحيل كل هؤلاء إلى المتحف فسنظل أسرى لهذه السلاسل.
نحن لا نريد من معالي الوزير مجرد القرار بتحطيم سلاسل مخارج الطوارئ في كل مشاريع الوزارة ومستشفياتها، بل تحطيم آلاف الكراسي الإدارية المحنطة التي تحولت إلى مجرد (بروتوكول) لا هم لها سوى السؤال التقليدي بعد نهاية الدوام: تأكدوا من إقفال مخارج الطوارئ. هنا صارت مخارج الطوارئ أهم من غرفة الطوارئ. انتهت المساحة.