قال أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأميركية بباريس، فيليب جالوب، إنه على الرغم من المخاوف العالمية بشأن نهاية معجزة الصين الاقتصادية، ومرور الاقتصاد العالمي بأوقات صعبة بسبب توابع زلزال الأزمة المالية لعام 2008، فإن إعادة التوازن العالمي تتم الآن، وبسرعة.

جاء ذلك في تقرير لجالوب نشر في مجلة "لوموند دبلوماتيك" حول كتابه الجديد "بزوغ شرق آسيا من جديد"، الذي سيصدر في مارس المقبل. وحسب جالوب، فقد أعلن المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي في نوفمبر الماضي، أن اليوان الصيني، سيتم إدراجه قريبا في سلة العملات التي لها حقوق السحب الخاصة، بجانب الدولار الأميركي، واليورو، والجنيه الإسترليني، والين الياباني، ووفقا لخبراء الاقتصاد السابقين في صندوق النقد الدولي فإن ذلك يعني بداية التحول البطيء نحو نظام نقدي عالمي ثلاثي الأقطاب، لم يعد يتمركز في الغرب فقط. كما أن تدويل اليوان هو جزء من قصة أكبر من عودة ظهور الصين باعتبارها قطبا رئيسيا يتمتع باستقلال ذاتي في الاقتصاد العالمي، وباعتباره المحرك الأساسي للحركة بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، ذلك أن إعادة التوازن في الاقتصاد المعولم هو سمة أساسية من سمات السياسة العالمية في القرن الحالي، بما في ذلك تعادل القوة الشرائية، إذ ارتفع نصيب الصين من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في 40 سنة، من أقل من 2 % إلى أكثر من 16 %، متقدمة على الولايات المتحدة.


 


بلدان الجنوب

يرى جالوب أن التجارة والاستثمار في عالم اليوم، أصبحا يعتمدان على الربط فيما بين بلدان الجنوب، بعدما حلت الصين محل اليابان والولايات المتحدة، باعتبارها الشريك التجاري الأول لدول شرق آسيا كلها تقريبا، وأصبحت لاعبا حاسما في أميركا الجنوبية، والتجارة الإفريقية، فضلا عن جنوب آسيا.

وقال إن الصين تعد حاليا الشريك التجاري الأول للبرازيل، متقدمة على الولايات المتحدة، وهناك اتجاهات مماثلة في شيلي والأرجنتين واقتصادات أميركا الجنوبية. كما ارتفعت حصة صادرات جنوب إفريقيا إلى الصين من 1.8 % إلى أكثر من 12 %، في حين زادت الواردات من 3 % إلى 15 %. وارتفعت كذلك الصادرات الهندية إلى الصين من 2.9 % إلى أكثر من 10 %، والواردات من 2 % إلى 12 %، لافتا إلى أن عودة ظهور الصين توشك أن تغير العلاقات الرأسية بين الشمال والجنوب في عصر الإمبراطورية الغربية والثورة الصناعية. لكن هذه العودة - وفقا لجالوب - لها تداعيات كبيرة، وقال "عندما تعطس الصين، يصاب الشركاء من البلدان الناشئة بنزلات البرد، كما هو الحال مع الركود الحالي لمصدري السلع الأولية بسبب تباطؤ النمو في الصين"، ومع ذلك، فإننا نشهد تغيرا هيكليا في التسلسل الهرمي الاقتصادي والسياسي العالمي.





 


تقاسم الهيمنة

من غير المعقول أن يحل الشرق "الصين" محل الغرب "الولايات المتحدة"، في قمة هرم اقتصادي جديد، لاسيما في المستقبل القريب، فإنه ليس هناك شك في أن الهيمنة الاقتصادية سوف تتوزع وتصبح أكثر انتشارا، مما يعني زيادة المنافسة بين الدول على الموارد ورأس المال والتكنولوجيا، والتأثير السياسي. ويشرح جالوب وجهة النظر هذه بالقول "الصين والولايات المتحدة في حالة تشابك اقتصادي وثيق، وبكين هي الدائن الرئيسي لواشنطن، وأميركا لا تزال سوقا حيويا للمنتجات الصينية، ومن ثم فإن إدارة أوباما تدرك تماما أن عودة ظهور الصين هو جزء من تحول تاريخي سوف يتكشف على مدى العقود القادمة، مع عواقب وخيمة بالنسبة للولايات المتحدة في القرن الحالي".

وأشار جالوب إلى أن أميركا لا تسعي علنا لاحتواء الصين، كما تريد أن تتجنب المواجهة المباشرة، ولكنها تريد في نفس الوقت أن تدير المنافسة من موقع القوة، كما أشار أوباما في خطابه الأخير عن حالة الاتحاد، حيث قال "الصين ترغب في كتابة قواعد المنطقة الأسرع نموا في العالم. لماذا ندع ذلك يحدث؟ يجب أن نكتب نحن هذه القواعد".

ويرى جالوب أن واقع الحال هو أن الصين، مع دول ما بعد الاستعمار، في وضع يسمح لها بالمشاركة في تأليف هذه القواعد، لذا يجب أن يتقاسم الجميع هذه الهيمنة، وأن تدويل اليوان هو مجرد جزء من هذه القصة، وفي حين أن هيمنة الدولار لن تؤخذ على محمل الجد على المدى البعيد، فإن بطء التحول في العلاقات النقدية العالمية حاليا يبدو لا مفر منه.

ولفت جالوب إلى ما ذكره المحلل السياسي بنيامين كوهين، في وقت سابق، بأن السنوات المقبلة ستشهد خلافا حول عدة عملات لن يصبح معها الدولار في موقع الصدارة، بل إن الآثار الاقتصادية والسياسية لتعدد العملات ستؤدي في نهاية المطاف إلى "تقاسم الهيمنة".