في مثل هذا الشهر، وقبل 10 سنوات، وتحديدا في: 17/3/1427 الموافق 19/4/2006، دعيت لزيارة مكتب صحيفة الشرق الأوسط، بشارع ولي العهد بجدة ـطريق الملك عبدالله حالياـ لإجراء مقابلة صحفية، مفتوحة المحاور، مع مدير تحرير الصحيفة في المملكة أخي الأستاذ محمد الساعد، وهناك كانت بداية التعرف على الأستاذ عمر المضواحي، كبير المراسلين، ومسؤول تحرير مكتب جدة، والصحافية الأستاذة منال حميدان.
أسئلة حرة، تناوب الجميع على طرحها، ومع أن السيد عمر كان الأكثر سكوتا، إلا أنه الباحث الأكبر عن الأسئلة الساخنة؛ ومما أتذكره منها: الحوار مع الآخر، من هو هذا الآخر، وأيهما أولى الحوار مع الآخر، أم الحوار في الداخل، وهل هناك حوار بين علماء مناطق المملكة، أو دعوة للمشاركة في المناسبات، وهل أتباع المذاهب مخيفون، وهل هناك احتكار للفقه من قِبل البعض، ولماذا هناك ضعف في التواجد العلمي (المكي) على الأرض، وهل هناك فعلا اعتراف بالمذاهب الثمانية، وهل اختفت المذاهب في المملكة، وما النظرة الموجودة لها، وأين دروس الحرمين الشريفين، وهل خلافات العلماء الموجودة تقع ضمن دائرة التصالح والتسامح، أم ضمن دائرة التباغض والإنكار، والنظرة الخاصة عن اختلاط مفاهيم الحسبة والجهاد، واختلاف بعض المتدينين، ومن يحسم قضايا الإفتاء، ومن يملك الحقيقة، وأسئلة أخرى عن التنوع، والكتاب الإسلامي، والمقاطعة، وفقه المقاصد، ونكاح المسيار، وعفاف المرأة، وقضايا المولد والشركيات، والحكمة من المحافظة على الآثار، وكنت وأنا أجيب أتساءل في سري: هل سترى المقابلة النور، أو سيحبسها حابس؟ وحصل الثاني؛ إذ ضاعت المقابلة بين عروس البحر، وعاصمة البلاد، وعاصمة الضباب، وبقيت منها الذكريات، والصلات الجميلة بيني وبين الإخوة النبلاء، والتي تقوت -بحمد الله- كثيرا مع الأيام؛ وهنا أنوه إلى أني لم أذكر في مقالي مقتطفات اللقاء الأول مع الفقيد المميز؛ إلا لأبين لمن لم يعرفه أفكاره التي أشغلته، وهمومه الكبرى التي أرَّقته، رحمه الله رحمة واسعة، وربط على قلب زوجه، ونسلهما البررة: عبدالمحسن، ورزان، ومنى، ومناف، وسدن.
فجر الأحد الماضي عدت إلى أخي محمد الساعد لمعرفتي بعمق علاقته بالفقيد، لأسأله عن رسائل النعي المنتشرة في هاتفي عن وفاة السيد عمر، وفجعني بصحتها، ومع هذا هاتفت المرحوم على جواله، فأجابني الابن عبدالمحسن قائلا، نعم صحيح، شعر الوالد بسعال شديد، بدون مقدمات، وفضل وسط إلحاحنا مراجعة الطوارئ، وهناك رحل وتركنا.
السيد عمر المضواحي نعاه عارفو قيمته من الأهل، والأصحاب، وتأثر لفقده -وهذا العجيب- من لم تجمعه بهم صلة مباشرة، وما قرأنا وسمعنا إلا قليلا من محاسنه، ولعلها فرصة مواتية لأطالب أصدقاءه القدامى والجدد ومن قرر صداقته مؤخرا؛ بمبادرات (جادة) تخدم أفكاره، ولا أقل من القيام بنشر أعماله، وجعل (ريعها) في خدمة من كان يرعاهم، بينه وبين ربه، سبحانه وتعالى.