كان يوم 18 ديسمبر الحالي هو الذكرى 150 للقضاء على العبودية في أميركا، والعبودية على عكس الاعتقاد الشائع ليست إحدى مُنتجات الرأسمالية الغربية، بل إن الرأسمالية الغربية هي إحدى منتجات العبودية. إذ قاد توسُّع العبودية في العقود الثمانية الأولى بعد الاستقلال الأميركي إلى تطوُّر الولايات المتحدة وتحديثها.

يُحلل المؤرخ إدوارد بابتيست كيف نما الجنوب خلال دورة حياة واحدة من قطاع ساحلي ضيق مليء بمزارع التبغ البالية، ليصبح إمبراطورية قارية للقطن، ونمت الولايات المتحدة لتصبح اقتصاداً حديثاً وصناعياً ورأسمالياً.

استخرج مُلاك العبيد من عبيدهم كفاءات هائلة عبر التعذيب والعقاب، مما أتاح للولايات المتحدة الاستيلاء على سوق القطن العالمي، وهو المادة الخام الرئيسية للثورة الصناعية، وأن تصبح أمة قوية مزدهرة.

كان القطن في القرن الـ19 يشبه النفط في القرن الـ20، البضاعة التي تُحدد ثروة الأمم. وكان القطن يُشكل 50 % من صادرات الولايات المتحدة، وهي نسبة مدهشة، وأشعل القطن الازدهار الاقتصادي الذي شهدته أميركا. تُدين أميركا بوجودها باعتبارها أمة من العالم الأول للعبودية.

الرأسمالية والعبودية نظامان متعارضان تعارضاً جوهرياً من الناحية النظرية، فأحدهما مبني على العمل الحُر والآخر على العمل الجبري. ولكن من الناحية العملية، فالرأسمالية نفسها لم تكن لتصبِح ممكنة دون العبودية.

أوضح العلماء أن الربح في الولايات المتحدة لم يأت فقط من بيع الجنوبيين للقطن الذي حصده العبيد أو الخيزران الذي قطعوه. كانت العبودية أساسية لتأسيس صناعات تُسيطر اليوم على اقتصاد الولايات المتحدة مثل العقارات والتأمين والمالية.

تأسس وول ستريت على العبودية، بنى العبيد الأفارقة آنذاك الجدار الفعلي الذي كان سبب تسمية "وول ستريت" بهذا الاسم، مُشكلين الحدود الشمالية للمستعمرة الهولندية المُصممة لصد السكان الأصليين المقاومين الذين أرادوا استعادة أرضهم. أسس المسؤولون بمدينة نيويورك في عام 1711 سوقاً للعبيد في "وول ستريت" لإضفاء طابع رسمي على تجارة البشر الضخمة.

القصة التي تحكيها الكتب الدراسية الأميركية عن العبودية هي قصة إقليمية وليست قومية، فهي تصور العبودية على أنها انحراف وحشي عن الحُكم الأميركي القائم على الديمقراطية والحرية. يُحكى عن العبودية باعتبارها انعطافاً مؤسفاً عن مسيرة الأمة نحو الحداثة، وليس باعتبارها المُحرك الذي قاد ازدهار الاقتصاد الأميركي بالتأكيد، وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة.

رغم تحويل أبراهام لينكولن إلى أحد أبطال الحقوق المدنية، إلا أنه لم يعتقد أن السود متساوون مع البيض، كانت خطة لينكولن هي إعادة السود في أميركا إلى أفريقيا، وإن لم يكُن قد اغتيل، كانت إعادة السود إلى أفريقيا لتكون على الأرجح السياسة التي سيتبعها بعد الحرب. حتى إن لينكولن اعترف أن إعلان تحرير العبيد كان مجرد "إجراء حربي عملي" من أجل إقناع بريطانيا بأن الشمال مدفوع بما هو "أكبر من الطموح".

كانت نهاية العبودية منذ 150 عاماً للسود مجرَّد بداية لرحلة السعي وراء المساواة العرقية الاقتصادية والديمقراطية التي لم تنته بعد، حيث يعيش السود في أميركا في نظام رأسمالي عرقي، تمارس الرأسمالية العرقية سلطتها على الأقلية السوداء عبر مجموعة من الإعدامات القمعية العصرية دون محاكمة على يد الشرطة، وتزيد من الاعتقالات الجماعية لمصلحتها ومن عدم المساواة الاقتصادية العرقية الذي تدفعه المؤسسات.. ولذا فإن الرأسمالية العرقية هي بلا شك جريمة من جرائم العصر الحديث ضد الإنسانية.