ابتداءً، فما أقوله يومياً هنا، ليس قرآناً، فأنا جاهز لتغيير رأيي –مع قداسة الرأي الشخصي عندي– متى ما وجدت رأياً أفضل، أمّا المعلومات التي أستند إليها، فهي حق مشاع لكل الناس، ومع الأسف فهي –أي المعلومات– في الشأن المحلي والسياسي عموماً شحيحة وقليلة، ومع شحها وقلتها، فهي قابلة للخطأ والصواب، وحين أتيقن أن المعلومات التي بنيت عليها رأيي كانت خطأ، فإنني لا أجد حرجاً في التراجع والاعتراف بذلك علناً، فلست من الملائكة، ولا نبياً، وإنما أنا بشر يصيب ويخطئ، وقد أخطأت كثيراً، واعترفت، وسأعترف بأخطائي، معلومة ورأياً، ولا حرج عندي مطلقاً في ذلك، فكل الأحياء يتغيرون مع الحق والصواب، ولا يتغير الصواب والحق معهم، وأنا واحد ممن يؤمن أن حتى الجمادات –بعوامل التعرية– تتغير، فما بالك بالبشر من لحم ودم، وعقل ومشاعر ومؤثرات لا تنتهي!!

منذ أن كتبت مقالي الأحد الماضي بعنوان "الشيعة السعوديون وإرهاب العوامية: اقتراح لولي العهد" وأنا أتلقى ردوداً وتعليقات، عبر الرسائل المكتوبة، أو عبر الاتصالات، وكلها بلا استثناء إمّا عاطفية متحيزة، أو إنشائية لا معنى لها ولا هدف سوى أن إخواننا "الشيعة" يحبون الوطن، وهذا مفروغ منه عندي، ولم أنكره، بل أعترف به وأشجعه وأحبه، لكن الزميل العزيز الوفي المحب والمعلوماتي حبيب محمود "مدير تحرير الشرق" جاء مقاله الذي نشرته "الوطن" يوم الثلاثاء الماضي، فكان أفضل تعليق على مقالي، وهنا سأتوقف عند أمرين مهمين، نبهني لهما، الصديق والكاتب الفذ، حبيب محمود، وهما:

الأول: أنني أخطأت في تعميم صفة "الإرهاب" لأهلنا الأعزاء في بلدة العوامية، وهذا خطأ، وسأبرر الآن، وأقول: لم أقصد!! وأنا فعلاً لا أقصد، لكن الناس لهم الظاهر والمكتوب والظاهر والمكتوب، أنني كنت أتهم كل "العوامية" بالإرهاب، وهذا خطأ واضح، ولا مناص أمامي إلاّ الإقرار به والاعتذار عنه، فالفاسدون، المجرمون من أهل العوامية هم قلة، يستنكر وجودها أهل العوامية أنفسهم، قبلنا وقبل أي أحد.

الأمر الآخر: أن مقالي الذي نشرته كان ينقصه بعض المعلومات التي عرفتها هاتفياً –ومن حبيب محمود– نفسه، وهي كالتالي:

أولها : أنني نسيت أو غفلت عن أن تحقيقات "حبيب" في الشرق عن السلاح والتهريب، لم تكن خاصة بالعوامية فقط، وإنما عامة للقطيف كلها مع التركيز على "العوامية"، وهذا يفتح أمامي موضوعاً آخر، فيما بعد!! وثانيها: أن الحل لمشكلة العوامية ليس مثلما اقترحت في مقالي، بل إن هناك حلاً أفضل تم اعتماده، ولم ينفذ، وهو كالتالي:

الأول: أن أرض "الرامس" الشاسعة، الواسعة، هي منطقة عشوائية وهي وقف ثابت شرعاً لأهل العوامية، كمنطقة مزارع، ولا يمكن توزيعها كمنح، وإنما هم قابلون لمشروع التطوير لهذه الأرض، الذي أعلن عنه قبل بضعة أعوام من قبل أمانة الدمام، لتأهيل هذه المنطقة بمبلغ 400 مليون ريال، فأين ذهب المبلغ!؟

الأمر الثاني: أن هناك أمراً صدر بإزالة قلب العوامية، وهي المنطقة التاريخية منذ مئات السنين، وقد تعرض صاحب المكتب الهندسي –وهو من أهل العوامية– الذي خطط ومسح، لصنوف من الإرهاب الفكري وغيره -وأنا شخصياً- أرى أن هذه المنطقة التاريخية لا ينبغي إزالتها، بل تسلم لهيئة السياحة والآثار لتطويرها وتأهيلها.

الأمر الثالث: أن قرى وبلدات القطيف قبل قيام الدولة السعودية الثالثة بقيادة الموحد "العظيم" الملك عبدالعزيز رحمه الله، كانت مسورة، وأغنياؤها داخل السور، وفقراؤها خارجه، وحين توحدت الدولة، سقطت الأسوار في الأرض، لكنها بقيت في النفوس، فما زلنا نرى، التجمعات القبيلة، والمناطقية، والطائفية وحتى الفئوية، والوطن ككيان ما زال غائباً، والاندماج الكامل، يعني لا قبيلة، ولا طائفة، ولا منطقة، ولا فئة، وإنما الانتماء للدولة السعودية أولاً، ثم للكيانات الأصغر إلى أن تصل للعائلة وهو ما لم يتحقق ويستحيل تحقيقه إلا عبر مؤسسات المجتمع المدني التي أقر مجلس الوزراء نظامها وسيتم التطبيق بعد 90 يوماً من صدوره قبل نحو أسبوعين.

أمّا التقدم والتأخير –اجتماعياً ونظامياً– في شؤون الحياة، مع إغفال عنصر الكفاءة –وهو أهم عنصر، بل هو كل العناصر والبقية تكملة كلام– فالكفاءة إذا أقصيت ولم يعتد بها أولاً وأولاً وأولاً، فإن الباقي لا قيمة له في أي إصلاح أو تطوير!

الأمر الثالث: واسمحوا لي أن أعترض عليه، فشكوى أهل المنطقة "القطيف وما حولها" أن الأمن حين يكتشف مجرماً مطلوباً في أحد الأحياء، يحاصر الحي ويطلق الرصاص، ويرعب أهل الحي من أجل مجرم واحد، والحقيقة أنني قد أتفق مع الإخوة "نظرياً" لكن عملياً، أنا أعرف أن كل ما يفعله الأمن هو لمصلحة أمن واستقرار هؤلاء الذين تضرروا من محاصرة الحي الذي يسكنون فيه، وللحق فالأمن السعودي لا يقلد حزب البعث، ولا حزب الله، ولا دولة عبدالناصر، ولاصداما، ولا أحدا، فهو متى ما تأكد أن هناك فرصة لإبلاغ سكان الحي الذي يختبئ فيه مجرم، فإنه يبلغهم واحداً واحداً، أمّا حين يشعر الأمن أن خطورة المجرم المسلح لا تتيح فرصة للإبلاغ، وأن المجرم يمكن أن يستغل هذه الفترة القصيرة جداً للاختباء أو الهرب، فلا يجوز –هنا– لوم الأمن، وما يشكو منه إخواننا في القطيف وقراها، من الأمن "الغاشم" كما يصفه بعضهم، لأن ما يفعله هو واجبهم وهو حق وطبيعي، ومن أجلهم، وأجل أمن واستقرار الوطن وغالبيتهم يهمهم أمن واستقرار الوطن، فهم فعلاً وطنيون مخلصون إذا تخلصوا من الخوف من سفهائهم وبلغوا عن كل "داعشي شيعي" سواءً كان ينشر فكراً أو يحمل سلاحاً، أو أنه درويش مخدوع، أو حسب تعبيرنا الرسمي "الخطأ"، أنه ضال!! وهو يقتلنا وما زلنا نصفه بالضال فقط، مع الأسف!!

الأمر الأخير، أن "القطيف، وما حولها من قرى في الغالب الأعم موالية للدولة، محبة للقيادة وتعرف أن مصلحتها في هذا الولاء والحب، ولهذا فهي حريصة على تنفيذ أوامر الحكومة، لكنهم، يريدون دعماً واضحاً لمعنوياتهم –فعلاً– فهناك صحفي "شيعي" –مثلاً- متهم بالخيانة لأنه ينقل أخبار إرهاب العوامية، وهناك مثقف "شيعي" كبير، ومن أهل العوامية، تم الاعتداء عليه جسدياً، ناهيك عن معنوياً، ولم يجد أي موقف داعم معنوياً من المسؤولين، حتى ولو كان مجرد اتصال، أو غيره، وهو جدير به!! لكن!؟

وأخيراً، فأهل القطيف وما حولها من قرى، وأكبرها "بلدة العوامية" يرون أن المعنويات أهم ألف مرة من الماديات أياً كانت، فشباب العوامية مثلاً، محرومون من تأسيس مركز للخدمة الاجتماعية، بمطالبة وإلحاح الشاب الرائع "زكي الصالح"، بينما مراكز الخدمة الاجتماعية موجودة في القطيف، وسنابس، وغيرها، فلماذا لا يسمح لهم، وبسرعة في "العوامية" سيما والقائمون المطالبون به وطنيون متنورو الفكر، مسلمون، فما الضير!؟ وبعد أخيراً، وبعد كل كلام أقول: أمران مهمان في نظري للوطن وللقيادة، ومن أجلهما:

الأول: أن وطننا دولة "عربية إسلامية" كما هو نص في نظامها الأساسي للحكم، وهي بطبيعتها "عربية" مظلة أو –على الأقل– شريكة كبرى لكل العرب وهي بصفتها "الإسلامية" قطعاً، مظلة كبرى للمسلمين جميعاً، شيعتهم، وسنتهم، وأشعريتهم، وسلفيتهم.. إلخ، وكلهم تحت مظلتها، بل حتى إيران "الإثني عشرية" حسب دستورها، هي تحت هذه المظلة، التي تتربع عليها "السعودية"، فهل من العقل والمنطق والمصلحة الدنيوية، أن نقبل من جاهل، أو متجاهل، أن ينزل المملكة من فوق عرشها الأكبر والأهم، إلى وصفها كحزب، أو مذهب أو فئة!؟

الأمر الثاني: أن "الكفاءة" يجب أن يكون لها قداسة كبرى في الأنظمة وفي الحياة العامة، بغض النظر عن القبيلة والمذهب، والمنطقة، ومتى ما تحقق هذا، وقضينا على هذه النظرة "العنصرية"، وأصبحت "الكفاءة" هي الفيصل في التوظيف من مرتبة وزير إلى درجة مستخدم، فإننا نكون بذلك قطعنا معظم الطريق نحو تكريس الأمن والاستقرار، أمّا باقي الطريق فيتعلق بحريتي –شخصياً– وحرية الصحافة والإعلام والناس كلهم، فدعونا نتنافس، ونتنفس لخدمة الوطن والقيادة، فأنا والغالبية الساحقة من المواطنين نحب وطننا وقيادتنا، وضعوا قوانيننا لضبط الحريات الفردية والعامة كلها، واجعلوا الناس يعيشون بحريتهم المسؤولة والمنضبطة بأنظمة وقوانين. حمى الله الوطن وأعزه بكل مكوناته قيادة سعودية وحكومة وطنية، وشعباً أبياً شهماً. ودمتم.