قرأت باهتمام ذاك المقال المشترك للإعلامي السعودي جمال خاشقجي والأكاديمي الإماراتي عبدالخالق عبدالله، والذي جسدا من خلاله حالة نادرة من الحلم بشرق أوسط سعيد، تعيش دوله جنبا إلى جنب في وئام ومحبة وتوافق وسلام، ولا أريد في مقالي هذا أن أعكر عليهما صفو هذا الحلم، أو أن أحرمهما الحق باختلاس بعض اللحظات لنسج الأحلام الجميلة في عالم حرمنا الكثير من الحقوق.
كنت أودّ أن أشاركهما متعة الحلم لولا أنني قد اعتزلت ذلك منذ فترة طويلة، فلا شيء في منطقتنا المنكوبة يشي ببعض التفاؤل، أو يسمح لنا حتى بالتقاط بصيص أمل في آخر هذا النفق المظلم، واسمحوا لي في خضم كل هذا التشاؤم الذي ينتابني رغما عني، أن أعلق على بعض ما ورد في مقال الحلم السعيد، لنحكم على مدى قابليته للتحقيق أولا قبل أن نمنح أنفسنا الحق في مشاركته.
قبل أن نحلم بشرق أوسط سعيد، علينا أن نرسم ملامح شرق أوسط جديد، بمعاييرنا نحن لا بمعايير أحفاد سايكس - بيكو ممن دأبوا على حياكة المؤامرات التي تناسب مقاسنا، حتى إذا ما لبسناها استشعرنا بأنها قدرنا المحتوم الذي لا مناص منه، والفرق بيننا وبينهم أنهم حلموا بتقسيمنا يوما ونجحوا، وها هم يحلمون مجددا بذلك وما عساهم ينجحون.
قبل أن نحلم بشرق أوسط سعيد، علينا أن نأخذ زمام المبادرة في إطلاق حوار يحقق طموحاتنا ويقرر مصيرنا دون أي تدخل خارجي، علينا ألا ننتظر مراكز الأبحاث الأميركية والأوروبية لتجمعنا على طاولات البحث والنقاش وهي تراقب صراعا للدّيَكة طالما أمتعها، ولنتبادل الابتسامات الممزوجة بشعور العداء الأزلي بين دول كتب لها أن تتقاسم مصيرا مشتركا منذ مئات السنين، بل أن نسعى مجتمعين إلى ضمان مستقبل أفضل لأجيال قد ترث أنهارا من الدماء ما لم نوحد الرؤى ونقدم التنازلات الكفيلة بوقفها.
قبل أن نحلم بشرق أوسط سعيد، علينا أن نجد حلا للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، هذا الصراع الذي أشعل فتيل كل الأزمات في المنطقة، وقض مضجعها منذ أكثر من ستين عاما، وكان سببا في تغذية كل أشكال الصدام السياسي والمذهبي والعرقي، أملا في تحييد أنظار العالم عن ممارسات إسرائيل بحق شعبنا ومقدساتنا في فلسطين.
قبل أن نحلم بشرق أوسط سعيد، علينا أن نقضي على جذور المذهبية النتنة ومنابع الطائفية المقيتة، فلطالما كانت حطبا لكل النزاعات التي أحرقت الأخضر واليابس في بلداننا، وما زالت تزرع كل أشكال الكراهية والبغضاء بين دول ومجتمعات باتت ترفض فكرة التعايش السلمي وترى في الفصل والتقسيم مخرجا لكل أزماتها، لكنه لن يكون سوى البداية لأزمات أخرى أكثر تعقيدا.
قبل أن نحلم بشرق أوسط سعيد، علينا أن نجمع ما تبقى من أحلام شباب هذه الأمة، ممن خرجوا إلى ساحاتها بصدورهم العارية، مطالبين بالحرية والعدالة وكرامة العيش، أن نشعرهم بأن لهم متسعا في ديارهم يضمن لهم حق الحلم بحياة أفضل، وألا نجبرهم على البحث عن مساحة ضيقة على متن مركب متهالك قد يصل بهم إلى حيث تتحقق الأحلام، أو قد يقضي عليها في أعماق البحر لتستحيل إلى زبد على سطحه.
قبل أن نحلم بشرق أوسط سعيد، علينا أن نحدد معنى السعادة التي نريد، أن نسعى إلى امتلاك أدواتها، وأن نبذل كل ما يلزم من جهد وعمل جاد للوصول إليها، فالأحلام وحدها لن تزيدنا إلا ألماً وحسرة على واقع أليم، سنملك القدرة على تغييره إن تملكتنا الرغبة الحقيقية في نفض غبار الماضي وترك الأطلال تراوح مكانها، لنبني على أنقاضها شرق أوسطنا السعيد.