حتى لا يساء فهم حديثي الماضي، حديث التعاطف مع الإرهاب، بزعم أن الفئة الباغية التي ترهب الناس محسوبة على أهل السنة، رغم أن السنة وصاحبها، صلى الله عليه وسلم، بريئان منها، وحتى لا يظن أحد أن حديثنا كان جلداً للذات في مقابل الصمت عن فظاعات الآخر الإيراني وممارساته التي لا تقل إرهاباً وتنكيلاً عن فظاعات داعش وأخواتها؛ أقول إن الإرهاب لا دين له ولا مذهب، يستوي في ذلك الإرهابي السني والإرهابي الشيعي، الإرهابي العربي والفارسي والغربي. الإرهاب لا جنسية له ولا يليق بنا أن نبرره تحت أي غطاء كان. الإرهاب مرفوض من أي وجهة ومن أي قُطر وتحت أي مبرر، لأنه وصمة عار على الإنسانية نبرئ منها ثوب ديننا الحنيف، وأدعو كل متعاطف معها تحت أي ذريعة أن يراجع نفسه، بل لا أظنني أكون قد ذهبت بعيداً إن قلت فليراجع إيمانه، فالقلب الذي يطمئن بمشاهد الذبح والتفجير والسبي والتهجير والاغتصاب على الهوية لأبرياء عزل، والاستقواء على نساء مهيضات الجناح، قلب قاسٍ أولى به أن يعود لسماحة الإسلام ورحمة رب العالمين، لعله يرق لحال ضحايا هذه العصابات التي لم تجلب علينا إلا الدمار والعار اللذين يطاردان إخوتنا المسلمين في جميع بلدان العالم اليوم، وهم فيها أقليات معرضون لاعتداءات المهووسين بالإسلاموفوبيا وعداء المسلمين والإسلام.

لكن حتى لا ننسى، وحتى نكون قد جمعنا زمرة الطغيان والبغي في سلة واحدة -نسأل الله أن يخلصنا من شرورها وجرائرها علينا- فلقد ثبت إرهاب عناصر دولة الملالي المحتقنة بالعداء للعرب -ولا أقول لأهل السنة- فلسنا أمام صراع مذهبي أبداً، بقدر ما نحن أمام صراع عرقي فارسي يلبس لإخوتنا الشيعة عباءة المذهبية، ويغذيها في قلوب أهل السنة، ليبلغ مبتغاه من العداء المستحكم بين الطائفتين، ويشعل فتيل عداء الدهر بينهما، العداء الذي لم يكن موجوداً ولم نسمع به في المملكة قبل أن تطفو رائحة ثورة دولة الملالي على سطح البركة الراكدة، وتزكم أنواف الأمة كلها، سنة وشيعة، برائحة الكراهية التي تخرج منها.

ولعلي في هذا المقام أذكر الجميع بوجه آخر للإرهاب الآتي من الدولة الإيرانية، إرهاب قاسم سليماني أحد أعتى قتلة التاريخ، وأشدهم ظمأ لسفك الماء، والبون ليس شاسعاً بينه وبين خليفة تنظيم داعش المكنى بأبي بكر البغدادي تلميذ الأردني "أبو مصعب الزرقاوي" في العراق، فكلاهما "سليماني والبغداي" لا يعدوا أن يكونا سفاحين تشربا روح الغل الطائفي، مسكونين بالرغبة في سفك الدماء على الهوية، دون وازع من رحمة أو دين، لأن معظم ضحاياهما من المدنيين والعزل الأبرياء.

ولأننا خصصنا الحديثين الماضيين للحديث عن خليفة داعش المزعوم، فأرى أنه من الأهمية بمكان، أن نتوقف أمام محطات سريعة في طريق ماكينة الإعدام البشرية المحملة بالحقد الطائفي وبرك الدماء التي خلفتها وراءها إثر مذابحها التي خصت بها فقط أهل السنة العرب، لا تفرق في ذلك بين رجل وامرأة، ولا تفرق بين شاب وطفل وصبي، ولا حتى رضيع.

بـ30 ألف مقاتل هاجمت الميليشيات والقوات الحكومية الإيرانية "تكريت"، مدعومة بدبابات إيرانية وخبراء وضباط الحرس الثوري، على رأسهم قاسم سليماني، الذي جاء بنفسه للإشراف على المعارك بدعوى تخليص المدينة من قبضة "داعش"، لكن شتان بين ما أعلنته للعالم آلة الإعلام الإيرانية وما تمت ممارسته على الأرض من جرائم ارتكبتها ميليشيات سليماني، حسب روايات أهل العراق، من حرق للجثث وتعليقها على أعمدة الكهرباء وسحلها في الشوارع أو خلف سيارات الدفع الرباعي، وتهجير جماعي للمواطنين وسلب أموالهم وأملاكهم فيما يسمونها "غنائم النواصب"، في مشهد جريمة حرب طائفية كريهة دفع ثمنها الشعب العراقي كله، لم تشمل أو تقتصر على "السنة" فقط، وإنما شملت شيعة المرجع محمود الصرخي والأكراد والتركمان وغيرهم، فضلاً عن دمج جماعات وطنية أخرى معتدلة في عناصر داعش لتبرير مقاتلتهم وقتلهم وحرق جثثهم في الشوارع للقضاء على ثورة العراقيين وعشائرهم وفصائلهم المسلحة.

وبالإضافة إلى الشهادات العراقية المتواترة حول مشاهد جرائم محددة توافقت عليها جميع الروايات، فضلاً عن توثيقها بالفيديو، اتهمت صحيفة "ديلي بيست" البريطانية قائد فيلق قدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني بالإشراف على عمليات تطهير ضد السنة في العراق. وبينت الصحيفة أن الفيلق متهم "بخطف وإعدام الناس دون محاكمة، وطرد السنة من منازلهم، ثم نهب ممتلكاتهم وحرقها، وفي بعض الحالات هدم قرى بأكملها".

مجلة "نيوزويك" الأميركية أيضا استنكرت ما وصفته بالتواطؤ الدولي إزاء جرائم قوات الحرس الثوري الإيراني بحق المدنيين في العراق، بعدما حررت القوات التي يقودها الجنرال قاسم سليماني بعض المناطق هناك من تنظيم (داعش).

وقالت المجلة إن ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة عسكريا من إيران ارتكبت جرائم بحق السنة في العراق في المدن التي حررتها من تنظيم "داعش" الإرهابي، حيث تعرضت مناطق سنية بالكامل للإبادة على يد قوات سليماني، ما أسفر عن نزوح جماعي وتهجير قسري للسكان من مناطقهم، ووصفت تلك الجرائم بأنها تأتى على "مرجعية طائفية".

ولم تستطع قوات قاسم سليماني إخفاء حقدها الطائفي الذي قادها إلى دخول العراق وليس أي شيء آخر، فعمدت إلى هدم قبر الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في مسقط رأسه تكريت، ووضعت صور السفاح قاسم سليماني محل صوره، في دليل واضح على هوية مذابح خاضتها هذه العصابات ضد الأبرياء الآمنين بحجة محاربة داعش.

لكن هذا الذي ذكرناه كله لن يجعلنا نتخلى عن قناعتنا الراسخة المستمدة من سماحة الإسلام العظيم بأن "قاسم سليماني" و"أبوبكر البغدادي" وأتباعهما، جميعهم مجرمون.