كتبت كثيراً عن ظاهرتي المطبات الصناعية والكتل الخرسانية التي تكاثرت في شوارعنا، ولم نعد ندري هل هي نتيجة لظاهرة التوتر الشديد الواضح على الناس وهم يقودون سياراتهم في الشوارع، أم أن العكس هو الصحيح، وأن ذلك التوتر كان من أسبابه تحول بعض شوارعنا إلى ما يشبه الثكنات العسكرية، مما يجعل الإنسان وهو يقود سيارته متحفزاً لا يدري هل يكتفي باستخدام يد واحدة وهو يقود ليضع اليد الأخرى على غترته وعقاله أو ربما على قلبه تحفزاً لمطب صناعي من تلك المطبات السوداء العالية المفاجئة، أم يمسك المقود بكلتا يديه بقوة وينحني للأمام ليستطيع مشاهدة أي كتل خرسانية تبرز له فجأة في منتصف الشارع ويستطيع الانحراف عنها بسرعة في الوقت المناسب قبل فوات الأوان..؟ وقد تراجعت الآن قليلاً ظاهرة المطبات الصناعية فيما يبدو ولكن في المقابل زادت ظاهرة الكتل الخرسانية واستفحلت.
أنصح الباحثين في أسباب انتشار المهدئات عندنا أن يتأملوا في وضع بعض الإشارات في الشوارع التي تحولت بقدرة (المختصين في المرور) بدلاً من إشارة واحدة إلى ثلاث إشارات أو أكثر، ولكي يكون ذلك ممكنا فقد تم وضع كتل خرسانية في منتصف الشوارع، أي والله في منتصف الشوارع الواسعة السريعة هكذا.. عينك.. عينك.. ويا ويل اللي شوفه ليس (ستة على ستة)، لأنه قد يصطدم بشكل مفاجئ برأس كتلة من تلك الكتل الخرسانية الصلبة، وتصوروا ما سيحدث بعد ذلك.
كانت الأجهزة المختصة تضع الكتل الخرسانية محاذية للأرصفة، فتمنع الناس بهذا من استخدام تلك الأرصفة للمشي، وتضعها في فتحات الشوارع لتغلقها، وتضعها لتعديل مسارات بعض الشوارع التي تحت الصيانة، وتضعها لحماية بعض الأجهزة، وتم الآن إضافة مكان جديد توضع فيه تلك الكتل الخرسانية وهو منتصف الشوارع.
جميع دول العالم تستخدم الحواجز المؤقتة ولكن ذلك يتم أولاً على نطاق ضيق ومؤقت، وبشكل يراعي جانب السلامة، ولكن لم أشاهد أبداً من يضع الحواجز في منتصف الشوارع ليقسم الشارع إلى جزأين: جزء للعودة عبر المسار الآخر وجزء للمواصلة، والأهم من كل هذا أن الدول التي تحترم أجهزتها مواطنيها وتحرص على سلامتهم وصيانة ممتلكاتهم تنفذ تلك الحواجز المتحركة ليس بطريقة الكتل الخرسانية الصلبة الشديدة الخطورة، بل بالكتل البلاستيكية الفاقعة الألوان التي يمكن رؤيتها من بعيد بوضوح، ولا تشكل خطراً على حياة السائق، ولا ينتج من الاصطدام بها الذي قد يحدث أحياناً تلفيات كبيرة في السيارة وخسائر في الأرواح، وبعض تلك الكتل تكون أحياناً مطاطية تملأ بالماء لتثبت في الأرض وفي الوقت نفسه يتوفر فيها جانب الأمان.
لقد تصاعدت ظاهرة الكتل الخرسانية واستفحلت أخطارها وتعددت استخداماتها، وأنا واثق أنه لو وجد محامون متخصصون في مداعاة الحكومة وزاد وعي الناس فطالبوا بحقوقهم وتعويضهم عن الأضرار التي تصيبهم من تلك الكتل الخرسانية عن طريق أولئك المحامين لوجدت الحكومة أنها تخسر كثيراً بأسلوبها الحالي، وأنه من الأوفر كثيراً لها أن توفر الأدوات الآمنة الأكثر تكلفة من أن تسترخص تلك الكتل الخرسانية الضارة.. فتخسر الكثير في التعويضات.. هذا أمر مؤكد في رأيي.. ولكن يفترض حتى قبل أن يفكر الإخوة المختصون في الحكومة بهذا الشكل أن يدركوا أن من أهم واجباتهم المحافظة على أرواح المواطنين وممتلكاتهم.. فلماذا لا يستشعرون ذلك.. هل أرواحنا وممتلكاتنا رخيصة عندهم إلى هذا الحد..؟