في ذات التوقيت الذي يرابط فيه الآلاف من جنودنا البواسل على معارك الجنوبي، وفي ذات التوقيت الذي يرسل فيه هؤلاء الأبطال صورهم وفيديوهاتهم لطمأنة الداخل حصل ما يلي: استأثر (مقطع) ضيوف دهن العود وهم يصبونه بكل صلافة على ظهور كفوفهم الناعمة حتى اللحظة بما يقرب من نصف مليون حالة مشاهدة. وسنكذب على أنفسنا ونتعامى ونغافل وقائعنا إذا ما قلنا أن حفلات (الهياط) وأبطالها الموتورين ليسوا سوى (شلة) هامشية منبوذة لا تعكس أخلاقنا ولا صفاتنا ولا طبائع نسقنا الاجتماعي. هؤلاء بالضبط، هم المؤشر الأخطر على الغيبوبة الاجتماعية، ومن البرهان بمكان أن نعرف أن هذا المقطع (المخزي) قد تم تداوله لأكثر من 40 ألفا في ظرف ليلة واحدة ولكم أن تقسموا هذا الرقم على دقائق تلك الليلة. سأكون كاذبا مجانبا للحقيقة إن قلت إن مقطع (دهن العود) لا يمثلني لأنه في نفس الوقت يمثل شريحة واسعة من مجتمعي، ومن النفاق المجتمعي أن يتم تداول هذا المقطع (المعيب) بهذا الانتشار الطاغي ثم لا يجد مقطع بنات شهيد ثلاث في رسالتهن إلى الشهيد أي استقبال شعبي يذكر. من المخجل المخزي أن نكون، وقد وصلنا إلى هذه البلادة الاجتماعية، إلى الحد الذي لا يعاقب فيه مثل هؤلاء، ولو حتى (بالنبذ) وذلك أقل الأعمال، وهم يقيمون حفلة (دهن العود) بينما عشرات الأسر لا زالت إما في سرادقات عزاء الأبطال الأشاوس، أو في ليالي الحزن الطويلة بعد فقد حبيب شهيد، أو حتى من آلاف الأسر التي تنتظر الخبر الأسود في أي لحظة. ويؤسفني جدا جدا أنني أسمع بعض المطالبات المريضة بعودة مهرجان (مزايين الإبل) في هذه الظروف. وأرجو ألا يفهمني أحدكم بالخطأ، فأنا مع الحياة المدنية الخالصة التي تنبع من الثقة المكتملة على قدرة أبطالنا على الحدود الملتهبة أن يمنحونا كرامة الحياة. كل ما أخشاه ليس إلا أن نشعر في الداخل مع طول وقت الحرب بالبلادة دون أن نشعر أن هؤلاء الأبطال هم من سهروا وقاتلوا في ظروف تكون فيها الدقيقة أو حتى الثانية مسألة حياة أو موت كي ننعم بأيامنا وشهورنا ثم يتحول هذا (الداخل) إلى حفلة (هياط) مكتملة.

سأختم: جالون دهن العود الذي صبته يد مريضة على يد مريضة أخرى كان له أن يذهب إلى المكان الصحيح: تخيلوا لو أن هؤلاء المرضى اختاروا أقرب الأيادي البيضاء، العشر الأولى إلى المتر المربع الأخير من تراب هذا الوطن الغالي ثم صبوا عليها هذا الدهن. تخيلوا لو أنهم صبوا دهن العود على يدي والدي وأبناء آخر شهيد يدافع عن أبناء وتراب هذا الوطن؟ كيف ستكون الصورة؟