شعور جميل أن يكون لديك سائق خاص لك وحدك دون سواك. الأجمل أن تكون السيارة ذات طراز فاخر.. غاية الجمال أن يكون السائق من بني جلدتك.. هنا يبرز المثل المصري الساخر "يا أرض اتهدي.. ما عليك قدي"!

لكن هل الشعور ذاته يتحقق لدى السائق نفسه؟ أن يكون سائقا خاصا لشخصٍ واحد فيتلقى الأوامر منه دون سواه، والسيارة التي يقودها فاخرة؛ فلا يكون بحاجة لفتح "الكبوت" عند كل مطب اصطناعي، وأن يكون "المعزب" مسؤولا ممتازا -نسبة للمرتبة الممتازة- أو يحمل درجة معالي!

سأعرض معاناة عامة وطريفة، بعثها أحد السائقين لي، يقول فيها: أخي صالح.. أنا سائق لأحد المسؤولين الكبار ممن يحمل درجة معالي.. أشاهده باستمرار في السيارة يفتح صحيفة "الوطن" ويقرأ مقالك ومقال زميلك الموسى، قررت أن أبعث إليك بهذه الشكوى لتنشرها، لأنني واثق بأنها ستصل إليه، فهو كما قلت لك يقرأ صحيفتكم بانتظام.. معاناتي بدأت حينما وقع اختيار معاليه أن أصبح سائقه الخاص.. ظننتها فرصة ثمينة.. بنيت عليها أحلاما عريضة!

كانت فترة عملي في السابق من الساعة الثامنة صباحا وحتى الثانية والربع، لكن مع معاليه "مش ح تقدر تغمض عينك".. ينتهي الدوام ولا تنتهي مشاويره، ومناسباته، وارتباطاته.. حتى منتصف الليل! أنا أواجه ثلاث مشاكل أخي صالح.. الأولى أنني لا أتقاضى ريالا واحدا على هذا العمل الإضافي المرهق، الذي أخذني من بيتي وأولادي.. والأمر الآخر أنني لا أستطيع الرفض.. أخشى أن يحل علي غضب صاحب المعالي ويطردني من العمل.. والمشكلة الثالثة أنني أعيش على أمل أن يحن قلب معاليه على البائس المحتاج!

هذه معاناة يتعرض لها بعض السائقين في بعض مؤسسات الدولة.. بعض المسؤولين يعتقد أن سائق المؤسسة سائقا خاصا على كفالته! وكذلك الأمر ينسحب على مدير المكتب، والسكرتير الخاص.. في مؤسسات الحكومة والقطاع الخاص والصحف والبنوك والشركات الكبرى وغيرها، الذين يطالبهم بعض المسؤولين بالعمل على مدار الساعة.. ظنا أنهم يدخلون ضمن كفالتهم الشخصية؛ وليسوا موظفين بساعات عمل محددة، دون أن يقدموا لهم مقابل هذا العمل الإضافي المرهق، ودون أن يستطيعوا الرفض.. إما حياء، أو خوفا، أو طمعا!