لم يكن بأقصى ما في خيالاتي، ولم أكن أتمنى بالطبع، أن أشاهد أسرى حرب على حدود بلدي الذي عاش مسالما فلم يذهب للحروب إلا مضطرا لها كآخر الحلول وفي مناسبتين. لكن هذه الصورة المؤلمة لأسرى الحرب مرت من أمامي مساء ما قبل البارحة على الطريق في نهايات الحد الجنوبي. واسمحوا لي إن قلت إنني أتعاطف مع الأسير لأن هذه طبيعة الفطرة الإنسانية بمثل ما هي تربية وتعاليم هذا الدين العظيم. وبقدر الحزن على الصورة، بقدر الامتنان والفرح وأنا أشاهد بعيني لقطات المعاملة الإنسانية لهؤلاء الأسرى من قبل جنودنا الكرماء. هؤلاء ليسوا أسرى حرب، هؤلاء أسرى كل تحالفات الفقر والجهل والخوف. وهنا يبرز السؤال: لماذا تكون هذه البيئة مناخا للحروب العبثية التي يقاتل فيها هؤلاء بلا راية؟ والجواب التلقائي هو هشاشة التعليم، وهنا سآخذكم إلى آخر تقريرين. في الأول: يقول تقرير منظمة اليونسكو عن جودة التعليم - وهذا للمفارقة في 2009- أن المساحة الجغرافية الواسعة من الجوف إلى مأرب، ومن صعدة إلى عمران ثم إلى حجة لا توجد بها مدرسة نظامية واحدة بمعايير المدرسة الأدنى للدول النامية في العام 1960. خذ مثلا أن جامعة "الحديدة" تضم نحو 70 ألف طالب وطالبة، ولكن، وبحسب التقرير، بميزانية لا تتجاوز 7 ملايين دولار في العام الواحد. وفي مثل هذه الظروف من هو الذي سيملأ الفراغ؟ هنا ظهرت مناخات بدر الدين الحوثي ومنظمة (الشباب المؤمن) التي فتحت 4000 فصل تقليدي لا ميزانية لها سوى السبورة والطبشورة. وعلى هذه المساحة الجغرافية نشأت (قندهار) ولكن بالنسخة العربية، وسيكون خطأ تاريخيا إن لم نقرأ هذا الواقع الأليم في الجزيرة العربية، وجملتي الأخيرة هي رسالة هذا المقال.

في التقرير الثاني، تضع الأمم المتحدة هذا (اليمن) في أواخر ترتيبها لتقريرها عن التنمية البشرية. لكن مكمن الخطورة في التقرير ليس إلا الاستنتاجات النهائية التي تقول بكل وضوح إن المؤشرات ستضع اليمن في آخر القائمة بعد عامين، وأن (أفغانستان) قد تسبقها بـ15 مرتبة وأن الصومال ستكون فوق اليمن بـ21 منزلة. وسأختم بلغة حمراء تحذيرية:

مشكلتنا أننا لا نقرأ هذه التقارير الأخيرة ولا نحسب تأثيرها على واقعنا وعلى مستقبلنا كما تستحق. نعم، أنا شاهدت ما قبل البارحة بضعة (باصات) لنقل أسرى هذه البيئة المخيفة ولكن: من هو الذي سيقرأ طوفان 35 مليونا ممن يعيشون اليوم ولو مجرد الصورة السوداء القاتمة لتقريرين. عفوا سأنهي المساحة وإن لم تنته بالفعل: الصورة القادمة مخيفة.