"التحالف الإسلامي ضد الإرهاب" تحالف مبارك إن شاء الله تعالى، تحالف فاق كل التوقعات، وأسعد كل غيور على دينه الحنيف وعلى وطنه وعلى إنسانية الإنسان.
لن أبالغ لو قلت إني أعيش حالة من الذهول والانبهار، وأحمد الله أن مكنني لأعيش هذه اللحظة التي تمنيت لو أن جنودنا الشهداء الذين واجهوا الإرهاب بأرواحهم عاشوها معنا، تمنيت لو عاشها كل من كان ضحية هؤلاء الخوارج الذين يدعون أنهم يصلحون صنعا..
أحلم هذا أم واقع نعيشه؟! لقد شاهدنا الأمير المقدام محمد بن سلمان، يقف أمام "34" علما تمثل دول التحالف الإسلامي ضد الإرهاب، ليعلن للعالم أجمع أن بلادنا، المملكة العربية السعودية، والدول الإسلامية، لن تتوانى في الدفاع عن دينها الحنيف، وعن تعاليم جعلت قتل الإنسان الآمن كقتل الناس جميعا، واعتبرت من سعى لإحياء النفس البشرية كمن أحيا الناس جميعا، الدين الذي جاء في كتابه الحكيم: (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا).
إن العمل بصمت هو من أهم سمات هذه المرحلة الحساسة في حياتنا كمواطنين سعوديين، فالقرارات الحاسمة تستدعي الكتمان، والمملكة العربية السعودية تدرك حساسية القضايا المطروحة وأهميتها، والتي لم تعد تسمح بالتسويف الذي اعتدناه من القنوات السياسة العالمية ومن الدول الكبرى، التسويف الذي كان من أهم أسباب انهيار الأوضاع الداخلية الأمنية في العراق وسورية وحتى ليبيا.
ألا يحق لي أن أبكي فرحا لهذا التحالف، فالإرهاب القاعدي والداعشي خرج مع الأسف من تحت مظلتنا واستفحل في غفلة منا، وسواء اعترفنا بذلك أم لم نعترف فنحن كمجتمعات إسلامية وعربية نتحمل جزءا من هذا الوزر، فمن مارس هذا الإرهاب عالميا، ومن وجه السلاح في وجوهنا وعمد إلى قتلنا بعض من أبنائنا، وكان علينا أن نهتم بفكرهم كما نهتم بتحصيلهم ومأكلهم ومشربهم. وإن كنت أرى أن معظم من انخرط في هذا الفكر الظلامي كانوا ممن أهملوا أسريا ومؤسسيا، وأعنى هنا أنهم أهملوا من مؤسساتنا التعليمية والاجتماعية، وأنا هنا لا أبرؤهم بحال من الأحوال، فهم "خوارج" مارسوا الإرهاب أو دافعوا عنه دون إكراه.
لقد سمعنا من يقول إن هذا التحالف سني المذهب.. وهو ليس كذلك.. فهو تحالف إسلامي ضد من سولت لهم أنفسهم تشويه ديننا وإحراق بلادنا وقتل الآمنين باسم ديننا الحنيف.. لمن سولت لهم أنفسهم الاستيلاء على مقدراتنا وتشريد شعوبنا والتعرض لأي مخالف لمجرد أنه مخالف، هو موجه لـ"القاعدة" ولحلفائها، ولـ"تاعس" أو "فاحش" وعصابتها ولمن ناصرها ولو فكريا.. ولغيرهما ممن امتهن الإرهاب.
نحن مقبلون على حرب عسكرية وحرب فكرية، وهذه الحرب تتطلب من الدول المتحالفة الإعداد العسكري، ومن المجتمعات الدعم النفسي، داعية الله سبحانه ألا تتوقف هذه الحرب إلا وقد تحقق النصر على هذا الإرهاب الذي يسعى إلى تشويه الإسلام والفتك بنا. وبإذن الله لن نقلق على مستقبل بلادنا ولا على سلامة أحفادنا، ولا على رقي أوطاننا.. فالسياسة الحكيمة التي تنتهجها بلادنا بتأييد الدول الشقيقة تدل على أن نظرتنا المستقبلية واثقة الخطى، وأن ساسة بلادي لا يكتفون بالنظرة الآنية للأمور، فالمستقبل البعيد لا يقل أهمية بحال عن نظرتهم ليومنا ولغدنا.
والمتأمل في هذا التحالف الإسلامي ضد الإرهاب سيجد أنه مكون من كفتين متوازنتين العسكرية والفكرية، الأولى مكوناتها بينة واضحة وظاهرة للعيان من حيث العدة والعتاد، أما الثانية -وأعني هنا الفكرية- فننتظر من "الرياض" مقر هذا التحالف بيان حيثياتها وأبجدياتها ومكوناتها لتكون المجتمعات بكافة أطرافها مندمجة فيها، خادمة لها، مدافعة عنها.
وإذا استطعت أن أدلو بدلوي في هذا الجانب فسأكرر ما قلته عشرات المرات من أن التعليم بكافة مراحله والإعلام بكافة أدواته ومنها قنوات التواصل الاجتماعي على اختلافها مفاتيح حاسمة للتغير الجذري للمفاهيم الخاطئة لدى "القلة" من أبناء الإسلام، ولله الحمد، فالحكومات مهما اجتهدت في وضع سياسات هادفة لن تحقق المراد دون دعم وطني.
ومن جانب آخر لا بد من تحديد المرجعية الدينية التي تحدد معنى الإرهاب والفرق بينه وبين الجهاد، فالخلط بينهما يتضخم هنا ويتقلص هناك، ومن الضروري اعتماد "التحالف الإسلامي ضد الإرهاب" تعريفا لكل منهما، وبيان الفرق بين كل منهما ومن ثم اعتماده إسلاميا وعربيا وعالميا، كما من المهم بيان أن الجهاد قد يكون بالكلمة وبالمال وبالنفس، والإرهاب كذلك.
ومن المهم بيان أن جهاد "الطلب" لا يجوز دون أذن ولي الأمر ودون أذن الوالدين، فبرهما مقدم على هذا الجهاد، أما جهاد "الدفع" وهو فرض عين فيكون تحت راية ولي الأمر، إلا إذا باغت العدو بلاد المسلمين وانقطع الاتصال بين المواطنين وبين ولي أمرهم، عندها -فقط- يجوز دفاعهم عن وطنهم دون إذن ولي أمرهم، وهذه الحالة غير متحققة في عصرنا الحالي بحمد الله، فوسائل التواصل متعدد ومتشعبة، وعلينا بيان أن الجهاد يكون فرض عين على كل من أمره ولي الأمر بالجهاد.
إن "التحالف الإسلامي ضد الإرهاب" سيكون إن شاء الله تعالى بداية لنهاية ضعف الأمة الإسلامية، فبدايته توحي بخير، فالأشقاء على اختلافهم اجتمعوا تحت رايته. ألم تجلس مصر وتركيا وقطر على طاولة واحدة؟ ألم يتحدوا رغم اختلافهم؟ ألم يتفقوا على قضية محورية تمس عالمنا الإسلامي والعالم أجمع، وهي تنقية الإسلام من تهمة الإرهاب التي يحاول البعض إلصاقه به؟