منذ اللحظات الأولى لإعلان اسم الدكتور أحمد العيسى وزيرا للتعليم في السعودية دار الجدل حول شخصه، وحول مسيرة التعليم في السعودية، وعلى رغم أن العيسى من ذوي التوجه الإسلامي إلا أن ذلك لم يشفع له في الحرب عليه قبل أن يتسلم الوزارة فعليا، وعلى رغم كل الإنجازات والأفكار التربوية التي كان يتميز بها وينظّر حولها إلا أن النقد ذهب في اتجاهات لا تخدم العملية التربوية، فالرجل له أطروحات فريدة حول إصلاح التعليم العام والتعليم العالي، وهي أطروحات من أهم ما كتب حول التعليم منذ سنوات طويلة، فهو رجل جاء من داخل المنظومة، ويحمل همها منذ فترة، وتسنم قيادة كلية اليمامة حتى كانت من أميز الكليات في وقتها، وكتب في الصحافة حول قضايا كثيرة لعل من أهمها ما كتبه حول بعض قضايا التعليم، ما يعني أنه جاء محملا بكثير من الهموم والأفكار التعليمية في داخله، إلا أن كل ذلك لم يكن له في حساب التيارات المتأدلجة أي اعتبار بقدر ما كانت المسألة تدور حول انتصار تيار على تيار، رغم أن العيسى يحاول النأي بنفسه عن تلك الصراعات ويطرح ذاته الفكرية بشكل أكثر استقلالية -أو هكذا أتصوره منذ عرفت كتاباته وقرأت كتبه قبل سنوات- لكن تبقى العملية الأيديولوجية فاعلة في الحكم على الأشخاص والأفكار لدى التيارات المتصارعة في السعودية، مع أن كل الأحكام والتصورات سابقة تماما على العمل الذي يريد إنجازه العيسى.
لم تكن مسيرة التعليم في السعودية بعيدة عن الصراع بين الأطراف المختلفة منذ انتقالها من مرحلة الكتاتيب إلى الدراسة النظامية في المدارس، إذ ما زالت بعض التيارات ترفض الدراسة النظامية كان منها الجماعة المحتسبة التي انتهت مع مرحلة جهيمان، وكذلك كانت جماعة إخوان بريدة السلفية ترفض الدراسة النظامية، قبل أن تتفكك وتنتهي في التسعينات الميلادية، والحال يمتد إلى وقتنا الحالي مع الداعية سليمان الدويش، وهو أحد أشهر الدعاة المعروفين في الوسط الإسلامي بمناكفاته للتيار الليبرالي؛ إذ كان يرفض تدريس أولاده وبناته في المدارس النظامية، كما صرح في حلقة من حلقات البرنامج التلفزيوني: "البيان التالي".
والصراع كان أكثر ما كان حول تعليم المرأة، وهو صراع مشهور ومعروف وما زال بعض الناس إلى وقت قريب يرفضون دخول البنات في المدارس قبل أن تنتهي الظاهرة مع انتشار التعليم في مناطق السعودية ومحافظاتها وقراها.
والصراع امتد حتى وقت الدكتور محمد الرشيد -رحمه الله- حينما كان وزيرا للتعليم، وهو من الكفاءات النادرة التي استلمت وزارة التعليم، وهو من داخل المنظومة التعليمية، ولم يكن من خارجها كما هم الوزراء الآخرون مثله مثل العيسى حاليا، ومع ذلك فقد حظي الرشيد بهجوم شديد يشابه الهجوم الذي حصل للعيسى، وكانت التهم للرشيد تدور حول تطويره التغريبي للتعليم حتى ثبت لاحقا ألا علاقة للتغريب في الموضوع وإنما هو مناكفة تيارات لبعضها أو هو توزيع سلطات، حيث تم ضم تعليم البنات إلى وزارة التعليم بعد أن كانت رئاسته بيد بعض رجال الدين في السعودية منذ بدء تعليمها النظامي حتى عملية الدمج الإداري، ما أثار لغطا كبيرا وقتها، لكن الرشيد واصل مشروعه التطويري وكل التطوير اللاحق بعده ليس إلا تطويرا شكليا على تطويره. كتب عبدالسلام الوايل في مقال له في الشرق قبل سنتين بعنوان: "محمد الرشيد.. زمن التغريب. زمن المغفرة" أن الهبدان كان يخطب من على الجمعة وقت الرشيد بأن وزارة التعليم ممن لا تبرأ بهم الذمة، وأن الرشيد كان يتهم برفضه لتدريس القرآن في الوقت الذي كان يترجم فيه لأحد القنوات الغربية آيات عن التسامح". (الشرق: 1/ 13/ 2013).
هذا الصراع يمتد إلى تطوير المناهج في كل سنة، حيث تبقى بعض المناهج الدراسية عصية على التطوير، بحكم أن القائمين عليها يرفضون كثيرا من الأفكار الجديدة ومشدودون إلى الأفكار القديمة، خاصة في المناهج الإسلامية، ودائما ما طالعتنا الصحف بمناهج فيها جدل ما بين التشدد أو الانفتاح المتمثل في صور البنات في مناهج الأولاد والعكس، فضلا عن الصراع الذي يدور حول المطالبة بتدريس الأطفال في الصفوف الأولى من قبل النساء وليس الرجال، والصراع يصل أخيرا إلى فتح صفوف تحفيظ القرآن الذي كان أحد قرارات وزير التعليم عزام الدخيل، إذ أيده تيار ورفضه آخر.
يعود معالي الوزير الجديد أحمد العيسى محملا بكل تلك الخلفيات التاريخية حول الصراع على التعليم، وهو الذي لم يسلم في فترة عمله في "اليمامة" من الصراع الذي وصل إلى تكسير مسرح الكلية واضطراره لاحقا إلى الاستقالة، كما لم يسلم من الاعتراض على أطروحاته وآرائه حول التعليم في الصحافة السعودية، ما يعني أن الرجل قد تم تصنيفه، الأمر الذي جعل الهجوم عليه عنيفا منذ بدء إعلانه وزيرا للتعليم، وأيا يكن الأمر ففي رأيي أن الوزير عليه مهمة النأي بالتعليم عن منطقة الصراع بين التيارات والذهاب به إلى منطقة الأمان التربوي والتعليمي، وإلا فإن كل عمليات التطوير سوف تكون في حكم التصنيف التياري ليجد نوعا من المعارضة التي يمكن أن تعوق كل عمليات التطوير المعرفي في المدارس والجامعات، وهي الحصون الأكثر منعة على التطور لكون التيارات فيها أكثر صراعا. وتحمل بعض الجامعات سمات محددة تحاول الحفاظ عليها بين تيار محافظ وتيار منفتح سواء في النظر للعلوم نفسها أو بالنظر إلى الواقع السعودي، حتى استعصى على كثير من الجامعات تطوير مناهجها بحكم حجم المعارضة من داخل كل جامعة، وأتصور أن الوزير كان أحد ضحاياها أيام كلية اليمامة.