سنظل نتذكر اللغة العربية كل عام ما حيينا في هذا اليوم؛ وسنبقى على حبنا لها ما بقيت هذه الحروف الساحرة وبقينا. وسنشكر من احتفى بهذا اليوم الجميل مرارا وتكرارا.
هذا العام الاحتفاء بيوم اللغة العربية مبهج؛ وعاما بعد عام عادت للغة الضاد هيبتها. أتكلم من واقع التعليم والمدارس ومن عناية أكثر من وزير تعليم سابق بالعربية تحدثا وكتابة.
يمكن أن تلحظ هذا العام أن المدارس تفننت في خدمة لغة القرآن والبيان في هذا اليوم؛ حتى إن الاحتفاء خرج من أسوار بعضها وسكن جدرانها؛ قميصا أبيض طرزت عليه عبارات محبة لها، أو كلمات أو عملا وضع على الشبكة العنكبوتية.
احتفاء باللغة أكثر دعونا نفكر في خدمتها بشكل جاد أكثر وطوال العام، ولنبدأ بالأساس تعليم القراءة والكتابة تأسيسا عميقا يؤهل المتعلم أو المتعلمة للثقة بأن يستخدمها وينبذ العامية لأنه أصبح فارسا من فرسان البيان. لنبدأ بسؤال: ما أكبر مشكلات اللغة اليوم؟
من خلال الملاحظة الخاصة ولأني معلمة لغة عربية تعاني بعض الطالبات من رهبة يمكن أن أصنفها بالخوف من اللغة العربية، وتميل للتصالح مع أخطائها وجهلها وكأنه مشكلة عصية على الحل!
أو كأن ما تعانيه مرتبط بعجزها التام عن التقدم، هذا الخوف له مظاهر منها رفض القراءة أمام زميلاتها والتأتأة فيما لا يستدعي ذلك، فتتحول أبسط النصوص إلى معضلة عصية على الحل!
مثل هذه المشكلة نابعة عن أكثر من سبب، منها خصائص ترتبط بطبيعة المتعلمة كالخجل الطبيعي، وهذا ليس ما أستهدفه هنا؛ ما يعنيني أن القراءة تحولت عند بعض الطالبات إلى كابوس، ولا أفشي سرا عندما أقول إن بعض الطالبات تأتي ومعها توصية من معلمة سابقة ألا تقرأ على الملأ، ويجب أن أنزوي معها في جانب من الفصل لتقرأ بصوت خفيض وأقيم قراءتها!
هذا نموذج لضعف وصل إلى المعاناة من جانب المتعلمة والمعلمة التي تحولت الطالبة لديها إلى ما يشبه حالة الاحتياجات الخاصة!
هذا الضعف قد يدهشكم لو قلت إنه تحسن كثيرا في مواقع التواصل التي أجبرت مستخدمات الجوال على أن يقرأن ويفهمن ويكتبن؛ وبالتالي هذه الوسيلة دخلت فيما يسمى التعليم العرضي، فلم يكن هدف الجوال في التواصل أن يقرأ أو يكتب بشكل أفضل لكنه حدث وهو أمر جيد؛ يضاف إليه تحسن القدرة على الفهم والاستيعاب والتعبير عن الأفكار، فخلف الشاشات نحن شجعان نكتب دون ارتباك!
الكلمات المطبوعة لها سحرها وقدرة الناس على الحكم المبنية كثيرا على المشاعر، فكل ما يكتبه الأحباب والأصحاب غالبا ما نراه جميلا، وربما أصبح دافعا إلى مزيد من التفاعل المحب مع اللغة.
اللغات بحور زاخرة بمفرداتها وبيانها، ومن يبحر معها من أغلب الناس لا يتجاوز الشواطئ القريبة غالبا؛ وبهذا لا نتوقف عن التعلم والتعليم لها؛ ومن جانب آخر يمكن تقوية وإعادة الهيبة إلى اللغة وإلى تعليمها، وهو جانب مهمل تماما أخيرا، ألا وهو القنوات التعليمية، فرغم سهولة وتوفر قنوات فضائية مخصصة للتعليم أو حتى قنوات الثقافة العامة أو ما يتوفر من دروس ونصوص على يوتيوب فإنه من الممكن أن يستفاد منها في تفعيل حصص الفراغ عن طريق وضع شاشات موصولة بها في مكانين أو حتى واحد في المدرسة تبقى متاحة طوال اليوم الدراسي؛ أو يمكن توفير قنوات تعليمية مغلقة خاصة بالمناهج.. تخيلوا معي مثلا أن بعض المناهج التي لم يتوفر لها معلم كان يمكن بث برامج لها بالتنسيق مع المدارس حسب سير المنهج، ولن تحتاج إلى أكثر من تسجيل دروس لأساتذة مميزين تقدم لهم ثمن المواد المسجلة، وتعرض على من لم يفهم أو لم يجد معلما وتكون متاحة ومعروفة، وهذا الأمر ممكن مع موقع عين التابع لوزارة التعليم في المملكة، والذي يسعى إلى مثل هذه الأفكار.
تخيلوا معي لو أن كل حصة فراغ في الفصل الدراسي استمع فيها المتعلم لدقائق إلى قراءة قرآنية أو أبيات من الشعر الجميل أو النثر البديع فأي أثر عظيم سيحدثه هذا الجهد اليسير على خدمة وتقويم لسان المتعلم؟!
لو حللنا مشكلات الضعف في التعاطي مع اللغة لنقلنا المتعلم إلى التفوق وإلى الإبداع، فاللغة ستكون عقبة تواجه التلميذ وتعوقه عن الفهم والتعبير الجيد إن لم يتقنها. بمناسبة يوم اللغة العربية لندعم كل ما يخدمها أو على الأصح يخدمنا كناطقين بها، يكفي أن نرى عناية المسلمين الأعاجم بتعلمها من سيبويه إلى كل مسلم اليوم غير عربي احتفى معنا بهذه المناسبة، مشعرا إيانا بالتقصير وبتخاذلنا معها.
أعلم أنك يا من تقرأ الآن تحبها وتسعى إلى أن تخدمها، وهذا الحب كفيل مع العمل والوعي بمشكلاتها أن يجعلنا متقنين لها أكثر في العام القادم، وهذه غاية هذا اليوم وهذا الاحتفاء.
أختم بأبيات كتبتها بهذه المناسبة:
حييت يا يوم البيان مبجلا تسمو بأحلى أحرف ولسان
فبك البلاغة ترتدي حلل البها وبك البيان بديع كل معان
يوم أعاد إلى الجمال حديثنا ليعيد للتاريخ خير زمان