في ظل البيئة الحالية المشحونة بالضغوط على الهيئة التعليمية والمجهود الجبار الذي يقوم به البعض، للتمكن من سحب الطلبة من عالم السايبر إلى عالم المحاضرة، أجد أن الخروج من الجدية وإضافة بعض الفكاهة والترفيه يفيد الطرفين الأستاذ والطالب، لأنه خلالها يبني عضو هيئة التدريس علاقة مع طلابه تقربه إليهم، كما أنها تقلل من الإجهاد والتوتر داخل قاعة المحاضرة بخلق تجربة إيجابية في المجال العاطفي يتشارك فيها جميع الأطراف، إذ إن بعض المختصين وجدوا أن الفكاهة ترفع من فرص احتفاظ الطالب بالمعلومات، إضافة إلى تعزيز تقبله الحزم في الإرشاد والتقويم من الأستاذ حين تستدعي الحاجة ذلك.

واليوم، وفيما أنا أتصفح الأخبار المتنوعة لهذا الصباح، لفت نظري عنوان: "هذا الأستاذ وجد الطريقة المثلى لخداع طلابه"!، وحين فتحت الرابط وجدت كيف أن بروفيسور في إحدى الجامعات الغربية في ليلة ما قبل الاختبارات النهائية، وضع في موقعه الرسمي للطلبة، وعلى رأس قائمة من الملفات التي تحوي معلومات إضافية وأنشطة ونماذج اختبارات، ملفا بعنوان "مفتاح أجوبة الاختبار النهائي"، وما إن ضغط الطلبة على الرابط حتى ظهر لهم مقطع من أغنية Never Going To Give You Up لمغن من فترة الثمانيات يدعى Rick Astley.

على الرغم من أنني لم أعرف أنها حركة تسمى Rickroll، والتي تشبه ما نطلق عليه "صادوه"! ضحكت من كل قلبي، لأنني تخيلت نفسي وأنا أضع لطالباتي تحت العنوان نفسه رابط أغنية سميرة سعيد "مش حتنازل عنك أبدا مهما يكون". طبعا لن أفعلها، فأكثر ما يمكن أن أضعه لهن أغنية حسن علاء الدين للأطفال: "ألف بي وبوباية قلم رصاص ومحاية أنا بكتب على اللوح وأنتو بتقرو ورايا"، هذه قد تمر، أما الأخرى قد تُفتح بها أبواب و"هشتاقات"، والله أعلم بكمية التهم التي ستوجه إليّ!، لأن لدينا كثيرا ممن يتسلى بـ"انظروا ما قاله هذا وما قالته تلك"! وكأن الأخبار الحيوية التي تؤثر على مستقبل الأمة العربية انتهت، وأصبح هَم ليلنا تناقل أخبار بعضنا البعض، للمحاسبة والإقصاء، والتنكيد بالتأكيد!

والآن، قد يسأل البعض لماذا أغنية سميرة سعيد؟

على الرغم من ذلك، سأجيب: هذا لأنني في آخر كل فصل دراسي أقول لطالباتي: "أنا مثل اللزقة الأمريكاني، متى ما وقعتم تحت يدي لن أتنازل عنكم لأنكم أصبحتم جزءا من حياتي، وأتمنى أنني بما تركته داخلكم قد أصبحت جزءا من حياتكم، رقمي عندكم لا يتغير ولا يتحول، وما عليكم سوى الاتصال بي في أي وقت تحتاجون فيه إلى المشورة أو لحل مشكلة أو حتى إن كنتن في حاجة إلى أذن تصغي"، بمعنى آخر "مش حتنازل عنكم أبدا مهما يكون"! المهم أن طالباتي سيفهمن ما أقصده من المقطع إن وضعته وسيضحكن معي، لكن أصحاب النفوس الضعيفة الذين نصبوا أنفسهم حراسا على سلوكيات الغير وتفسير وتحوير النيات، سيجدونها فرصة للانقضاض والتشهير من أجل إشباع غرائز النقص التي لديهم! حقيقة إنه وجع رأس أنا في غنى عنه.

قبل عدة أيام فقط، كنت في حديث مع طالباتي ألومهن على عدم اهتمام الغالبية بالمواضيع الإضافية التي أضعها لهن في مجموعات الشعب على "الواتس"، فهي في نظري تضيف إلى بعض المفاهيم التي تم مناقشتها خلال المحاضرات كما تشمل بعض المعلومات والثقافة العامة، مما يحتجن الاطلاع عليها لما فيها من فائدة في حياتهن العامة، وأضاء لحظتها مصباح الأفكار عندي؛ "تلك "اللمبة" التي تظهر فجأة بالقرب من رأسك ذات اللون الأصفر والشعاع الفضي"، وقلت لهن: "كان يجب أن أضع قبل الرابط، لا تقرأ هذا الموضوع"! فأجابتني إحداهن: "لو فعلتي ذلك يا أستاذة لكان الكثير منا فتحه"! أجبتها: "ربما أفعل شيئا مشابها، فانتظروا بلاغا هاما".

قلت المقطع الأخير بطريقة مذيع الأخبار، وضحكنا جميعا ثم أكملت المحاضرة، ما سمح بهذه النوعية من الحوار معهن أن البيئة التي هيأتها للتواصل معهن مريحة وليست فيها أي تشنج، ووجدت أنني حين أكون على طبيعيتي المرحة مع طالباتي أستطيع أن أصل إليهن، ففتح باب التواصل في نظري يجب أن يكون من غير خوف داخل إطار المحبة والاحترام المتبادل، وبهذا وجدت أن من كان لديها بعض من التمرد لانت، بل أصبحت تحرص على الحضور والمشاركة، وكيف أن من احتجت أن أوجهها إلى سلوك خلال المحاضرة، تسارع في آخرها لتعتذر، وتؤكد أنها لن تكرر ذلك، كما تبين لي ارتفاع ملحوظ في الدرجات مع مرور الوقت.

يجب أن ندرك، كهيئة تدريس، أنه ليس المطلوب منا أن نكون "أراجوزات" داخل المحاضرات، وفي المقابل يجب ألا ندخل المحاضرة "تأبط شرا"!

بعض من الفكاهة، وبعض من الحزم، والكثير من المحبة والاحترام، تساعد في تحقيق الكثير من الأهداف التربوية.

فنحن لا نركز فقط على مساعدة الطلاب على البحث والارتقاء بمخزون المعلومات لديهم، لأن هذا لا يكفي لتجهيزهم للحياة العملية والاجتماعية خلال وبعد التخرج.

إن دورنا الذي يجب أن نركز عليه هو العمل على بناء الطالب ككل؛ وحدة كاملة بكل مكوناتها؛ جسدا وعقلا وروحا.