الجبيل مدينة بحرية ساحرة، شرق المملكة، تنبه إليها الراحل الدكتور غازي القصيبي، وطلب من الحكومة أن تغزوها لاستثمارها، وتمت الغزوة بنجاح كبير، لذا، سريعا ما تنامت في مدينة الجبيل الطاقة الصناعية بشكل مذهل، فمعظم سكانها من الشباب الذين يعملون إما في أحد مصانعها أو في الشركات ذات القيمة الاقتصادية الكبرى في المملكة و"سابك" على رأسها. في الحقيقة أن "السناب شات"، جعلني أمعن النظر في المدينة بصورة مختلفة، على الأخص هيئة الجبيل، حيث تم تصميمها بطريقة حضارية مبتكرة، وحينما سقط المطر في المملكة على سبيل المثال، غرق كثير من المدن، عدا مدينة الجبيل لسبب بسيط جدا، فقد تم بناء شوارعها وطرقها وإعداد الصرف الصحي بضمير حي ومتيقظ، وليس بضمير غائب كما فعل المسؤولون الآخرون، حينذاك، لا عجب أن نتباهى جميعنا بهذه المدينة الفاتنة.

نعود لنسلط الضوء على نساء وفتيات الجبيل، ونكتشف أن الرابط بينهن هو قدرتهن على الإبداع، ورغبتهن في الابتكار والعطاء، المشاهدات والصور التي تتدافع برأسي عنهن عديدة، فأنا أميل لحسدهن على كل تلك الطاقة المبهرة التي لا يمكن أن لا يلتفت إليها أحد، فاجأتني ابنة أختي "مناي" ذات الـ 16 ربيعا، بتصريحها عن انطلاق مشروعها الربحي الذي تتقاسم نشاطه مع رفيقتها في المدرسة الثانوية، مشروعها يقوم على إعداد جلسات استثنائية، توضع في حديقة البيت أو على طرف شاطئ البحر أو حتى في المخيمات البرية، وكل ما احتاجت إليه الشابة الصغيرة، طاولة أرضية ذات اتساع كاف، ومساند ملونة، واشترت عددا من الإكسسوارات لتضعها على الطاولة، ومفارش مختلفة بألوان خلابة وزاهية، وأخيرا حساب في برنامج "الإنستجرام" للتسويق والطلب، وكل من يريد استئجار الجلسات يمكنه الاتصال بها، وتقوم مع رفيقتها بإعداد جلسة الضيافة مقابل سعر رمزي. هناك العديد من القصص التي تجعلك تؤمن بأهمية تفعيل دور المراهقات والصبايا في المجتمع السعودي، حتى يبتعدن عن اللحاق بالمشاهير وتتبع أخبارهم والتنكيل بهم عبر رصد التعليقات المهولة التي يتطاول الكثيرون بكتابتها، نظرا لوجود فراغ عاطفي واجتماعي في حياة هؤلاء الشباب من الجنسين.

ونلحظ أن الرغبة في الاستثمار والنجاح في الجبيل، لا تقوم به "مناي" ورفيقتها فقط، وإنما هو ديدن نساء الجبيل. عدد كبير من الشابات والسيدات أقمن أعمالا ذات مشاريع ربحية، مع تنوع الخدمات والأسعار المقدمة، الجميل في ذلك هو التناغم بين الأهالي في الجبيل، ودعمهم مثل هذه الأعمال الإبداعية الشابة، واعتيادهم على أن المرأة يمكن أن تأخذ حقها في كسب رزقها بالطريقة التي تراها وتميزها.

نحن أهالي الشرقية نسمي نساء الجبيل تحببا بـ"الجبيليات"، وأظن أن الجبيليات وجدن فرصا شاسعة ومتاحة، فاستطعن استغلالها من خلال دعم أسرهن لهن، العديد من الجبيليات فتحن مشاغل لتصاميم العباءات وفساتين الأفراح والمناسبات، وظهر بعضهن على شاشات التلفزيون للحديث عن أعمالهن، إلى جانب الأعمال الأخرى المتعارف عليها، مثل إعداد الحفلات لأعياد الميلاد وبيع الورود ولف الهدايا وغيرها، الأهم من كل ما سبق وهو أمر عليّ أن أتوقف أمامه، أن هناك عددا كبيرا من الأمهات ربات البيوت لم يتوقف طموحهن لأن يصبحن أمهات فقط، لذا سارع العديد منهن لإكمال دراستهن الجامعية عن طريق الانتساب، وحققن نجاحات تفوق نجاحات أبنائهن، لم يجعلن البيت وتغيير حفائظ الأطفال والتعود على صراخهم ونحيبهم لأن يكون الحجرة العاثرة أمام رغبتهن في الحصول على الشهادة الجامعية، لذا غادرن بعقولهن أبواب المطبخ، و"البيكنج باودر"، وصحن المجبوس، وقررن أن يلتفتن إلى التعليم، لأنه هو الأبقى.

وقد تذكرت الجبيليات قبل أيام، بينما كنت أتابع برنامج نشرة الرابعة على قناة العربية، وضمن البرنامج تمت استضافة فتاة سعودية شابة افتتحت هي وشقيقتها مقهى للقطط، الفكرة مبتكرة جدا، ولو أني ضحكت عليها قليلا، لأنني متأكدة أن هناك من سيقول وهل وصل بنا السفه والغنى الفاحش، حتى نجد الوقت لتدليل قططنا كما تدلل الدنمرك أبقارها، لكن كان لصاحبة المقهى رأي آخر، إذ أوضحت أنها كانت تريد مشروعا لافتا، ووضعت نصب عينيها الاهتمام بميول ورغبات الوافدين من الأجانب، ليكونوا هم رواد مقهاها، فهم وحدهم من سيفكرون بالقيام بمثل هذه التجربة، وأخذ قططهم للمقهى العجيب من أجل تجربته، وهناك بالتأكيد من العرب والخليجيين من ستسيطر عليه الفكرة، فأخذ قطة لمرة واحدة في الشهر إلى مقهى خاص بها، لن يكون ترفيها فقط للقط أو القطة وإنما أيضا مشاركة اجتماعية لأصحاب القطط، والحديث عن القط "سيمو" والقطة "لولي"، وتبادل النكات وآخر الصور التي تم التقاطها لقططهم.

ربما لن تخطر الفكرة حتى الآن لأي جبيلية، ولكن لا تزال الأفكار والمشاريع متاحة للجميع، وإذا لم تكن فكرة المقهى الخاص بالقطط تروق لي، إلا أنني أجدها فكرة لا بأس بها، ومختلفة أكثر من اللازم، على الأخص في مجتمعنا الخليجي.