تخيل أن تتصل على 999 ويرد عليك بريد صوتي. ستنتابك حالة هلع تزيد همك هما. هذا هو حال السواد الأعظم من الطلاب السعوديين المبتعثين مع ملحقياتنا الثقافية حول العالم، إذ تعتريهم نوبات خوف وقلق متكررة إزاء الرسائل الصوتية الباردة التي تستقبلهم. الملحقيات ليست كأي جهاز حكومي نتعامل معه داخل وطننا. فإذا ردت فهي مشكورة مأجورة، وإذا لم تجب فخيرها في غيرها. إن مهمتها في الخارج أساسية ومحورية. هي أُسرة الطالب وصمام أمانه وملاذه بعد الله. مصدر اطمئنانه وخياره الوحيد. إنها أقرب إلى هاتف الطوارىء الشهير(999) الذي لا يجب أن يتمتع بإجازة أو استراحة في أية لحظة. هل سمعتم أن هاتف طوارئ يستجم؟ هواتف الملحقية، تفعل ذلك طوال الوقت. طلاب مبتعثون وقعوا في مشاكل أكاديمية ومالية عديدة بعد أن فشلوا في التواصل مع الملحقيات المختلفة في أوقات حرجة وظروف شائكة. تفاقمت مشاكلهم واستفحلت. وتضرر لاحقا الكثير من الطلاب والملحقيات. فإطفاء الحريق صغيرا أسهل منه كبيراً.

ندرك تماما أن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي برنامج ضخم وواعد وضخ آلاف الطلاب في الخارج في غضون سنوات قليلة نسبيا بشكل يفوق طاقة بعض الملحقيات. لكن الكثير من الطلاب الذين أتيحت لهم فرصة الدراسة قبل البرنامج كانوا يعانون من نفس المشكلة المزمنة. يتصلون ولا أحد يرد عليهم. يبعثون إيميلات دون جدوى، إلا من رحم الله.

إذن، لنتفق أن المشكلة إدارية في المقام الأول وبالإمكان تحسين أداء الملحقيات وتطويره متى ما تم التفكير في الخيارات المتاحة غير المكلفة.

إن لدى الملحقيات فرصة ثمينة للاستفادة من المرافقين المقيمين في المدن التي تقع فيها. فما المانع من استقطاب المرافقين الذين لا يدرسون؛ للعمل فيها بمكافآت مشجعة حسب فراغهم وذلك بالتنسيق مع إدارات الهجرة؟ وما الذي يحول بين الملحقية واستثمار مبتعثين جادين بعد الدوام بمكافآت تتناسب مع حجم أعمالهم لتخفيف الضغط على المشرفين والموظفين الرئيسيين؟ إن نتائج هذه الخطوة لا تنحصر في المدة التي سيعمل فيها الطلاب بل حتى حين عودتهم للوطن حيث سيكتسبون خبرات متعددة تضاف إلى رصيدهم العلمي والمعرفي الذي أحرزوه خارجا.

نعلم جميعا أن العديد من الملحقيات شهدت طفرة كبيرة في أدائها وبرامجها. لكن نعلم أيضا أنه ما زالت هناك الكثير من المصاعب التي تواجه الطلاب المبتعثين وتحتاج إلى معالجة سريعة. فالكثير من الطلاب المبتعثين يتكبدون وعثاء السفر للملحقيات قادمين من ولايات ومدن بعيدة لإنهاء إجراءات يسيرة وبسيطة نسبيا. بعض الطلاب يأتون من مدن قصية لاسترداد رسوم سددوها مبكرا أو من أجل إعادة صرف رواتبهم التي توقفت بسبب إجراءات بيروقراطية أو تقديرات خاطئة. فيخسرون ما سيحصلون عليه وأكثر في المواصلات والسكن.

البوابات الإلكترونية التي دشنتها بعض الملحقيات مؤخرا فكرة خلاقة لتوظيف التقنية في خدمة الطلبة. لكن النوايا الحسنة وحدها لا تكفي. فالمنتديات الإلكترونية والمدونات والشبكات الاجتماعية تضج بالشكاوى والضجر بسبب تواضع أدائها المبكر. يقول الكاتب الفرنسي، دنيس ديدرو: "لا يكفي أن تصنع خيرا، عليك أن تحسن صنعه".

نعقد آمالا عريضة على وزارة التعليم العالي ،والملحقيات تحديدا، لأنها من المؤسسات الحكومية المحدودة التي أثبتت كفاءتها في السنوات القليلة الماضية، وفاجأتنا جميعا بتغيير جلدها وانتصارها على نفسها خلاف مؤسسات كثيرة خيبت آمالنا.

أحزن كثيرا عندما أشاهد طالبا أو طالبة في أمريكا أو بريطانيا أو أستراليا أو كندا يصرخ بصوت عال في المنتديات والمواقع الاجتماعية قائلا: "أحد رايح الملحقية يا شباب؟". لماذا يضطر طالب في عام 2010، في عصر التقنيات المتسارعة أن يركب الطائرة أو الحافلة أو السيارة ليذهب إلى الملحقية حتى يحصل على تعويض لفاتورة، أو يوصل أوراقه وخطاباته وتقاريره الأكاديمية الخاصة مع صديق أو غير صديق. في حين بإمكانه أن يفعل ذلك وأكثر وهو في منزله أو جامعته؟

نتطلع حقا أن تتحرك الوزارة بجدية لتفعيل الاقتراحات السابقة واستثمار الموارد البشرية والتقنية التي بين أيديها على أكمل وجه؛ لتكتمل سعادتنا بها ومعها.

وإذا كنا ننتقد بعض القصور في الوزارة فإننا نشكرها على رسائلها الإلكترونية الجماعية المباشرة إلى الطلاب والطالبات. لكن نتساءل بعفوية: لماذا عنونتم رسالة خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز، لأبنائه وبناته المبتعثين الأخيرة بـ: "تنبيه هام من وزارة التعليم العالي". ألا تستحق هذه الرسالة الكريمة عنوانا أكثر بهجة ودهشة؟!