جاء إعلان المملكة العربية السعودية بتشكيل تحالف إسلامي عسكري لمواجهة الإرهاب، يضم 35 دولة إسلامية، من بينها 17 دول عربية، وتأييد 10 دول إسلامية أخرى بعد أن تخاذل العالم الغربي عن القيام بواجباته تجاه آفة الإرهاب وتوسع انتشارها يوما تلو الآخر.
للتاريخ، كانت القيادة السعودية أول من حذر العالم من الخطر المستقبلي للإرهاب، وقد قالها صريحة الملك عبدالله بن عبدالعزيز -يرحمه الله- بأن الإرهاب لن يبقى محصورا في المنطقة وسيصل سريعا إلى أوروبا وأميركا، وهذا ما أصبح واقعا ملموسا.
ظلت النظرة الغربية والشرقية إلى خطر الإرهاب وتعريفه قاصرة وضبابية، ينظر إليها البعض بأنها منحازة وغير عادلة. هذه النظرة زادت من اشتعال فتيل هذا الداء وانتشاره، وبمبررات تلعب على العواطف والمشاعر بهدف تجنيد الشباب المسلم والزج به في لهيب هذه النار التي لا تبقي ولا تذر.
من هنا، استشرفت القيادة السعودية الحلول الناجعة لاقتلاع هذا الوباء من جذوره، خلال التحالف الإسلامي العسكري وتأسيس مركز عمليات مشتركة مقره الرياض، لتنسيق ودعم العمليات العسكرية لمحاربة الإرهاب، ولتطوير البرامج والآليات اللازمة لدعم تلك الجهود، لا سيما ونحن نشهد محاولات البعض بإلصاق تهمة الإرهاب بالدين الإسلامي الحنيف، والتركيز على محاولات ربط هذه الآفة التي لا تعترف بالأديان السماوية أو حتى القيم الإنسانية وهي منه براء.
إن هذا القرار يؤكد محورية المملكة العربية السعودية وأهمية دورها كمركز ثقل في صياغة الواقع السياسي والأمني والاستراتيجي ليس في المنطقة الخليجية والعربية فحسب بل وعلى مستوى العالم الإسلامي، ويسهم في رسم ملامح المستقبل والمشاركة الفاعلة في البناء السياسي والأمني في العالم الإسلامي ومتغيراته المتلاحقة خلال السنوات الخمس الماضية.
فبعد بضعة أشهر من تشكيل وانطلاق تحالف عاصفة الحزم لتطهير اليمن وتحريرها من إرهاب الميليشيات الحوثية وعناصر المخلوع علي عبدالله صالح، والتي جميعها تندرج تحت مظلة الإرهاب المنظم الذي ترعاه الدول، والعمل على إعادة الشرعية ممثلة في الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي، جاء تشكيل هذا التحالف الإسلامي ليتصدى لخطر لا يقل عن سابقه ومرتبط به بشكل أو بآخر، فالإرهاب واحد وإن تغيرت أشكاله وأنواعه ومبرراته، ويخدم أجندات معينة تستهدف أمن المنطقة العربية والإسلامية واستقرارها، والمؤسف أنها تستخدم أبناء الشعوب الإسلامية لتحقيق أهدافها المشؤومة ثم تبدأ بالتحريض وكيل التهم عبر وسائلها الإعلامية لدول المنطقة بأنها داعمة للإرهاب، بينما نجد أن هذه الدول المتهَمَة هي أكثر من اكتوى بنار الإرهاب ودفعت في مواجهته ومحاربته دماء طاهرة زكية طوال السنوات الماضية، وفي المقابل نجد أن المحرضين آمنون من خطر الإرهاب، على الرغم من حجم التهديدات المتبادلة بين الجانبين.
إن هذا الواقع المتجسد على الأرض يجعلنا، في هذا الصدد، نؤمن بنظرية المؤامرة بغض النظر عن المسرحيات الإعلامية المتكررة، ولقد أصبح واضحا للعيان من يدعم الإرهاب ويشجعه، ومن يقف بحزم في وجهه ويحاربه. لذا، من المنتظر أن يعمل هذا التحالف العسكري الذي يضم معظم دول العالم الإسلامي من إندونيسيا شرقا إلى المغرب غربا على إعادة تعريف الإرهاب، ثم استهدافه، بغض النظر عن مذهبه أو انتمائه حفظا للأمن والاستقرار وتبرئة الدين الإسلامي الحنيف من هذه الممارسات الدموية والإجرامية، وبالتالي فإن جميع القوى والميليشيات والتنظيمات التي قدمت من الخارج للقتال في مناطق الصراع العربية والإسلامية تصبح هدفا مشروعا لهذا التحالف.
بقي أن نشير إلى تصريحات الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد وزير الدفاع في المؤتمر الصحفي الذي أعقب الإعلان عن القرار على أن هذا التحالف لن يكون محصورا في الجوانب العسكرية، بل إنه سيشهد تنسيقا وتوحيدا للجهود في الجوانب الإعلامية والفكرية والأمنية.
لذا، فإن المشوار طويل، والعمل شاق، ولكن كلنا ثقة في الله -سبحانه وتعالى- ثم في أن يحقق هذا التحالف المبارك الأهداف التي أنشئ من أجلها، وهذا يحتاج إلى أن يستشعر كل فرد بأنه جزء من التحالف ويسهم في إنجاحه، حفظا للأنفس والأعراض والأموال وتحقيقا للأمن والاستقرار في العالم. إن الآمال معقودة على أن يتطور هذا التحالف ليتحول من عمل تنسيقي بين أعضائه لمواجهة خطر الإرهاب لينتقل إلى مرحلة متقدمة تتمثل في نواة لتشكيل حلف ناتو إسلامي، ولنا أن نتخيل القيام في المستقبل القريب بمناورات عسكرية مشتركة لأعضاء هذا التحالف، ليصبح قوة إسلامية ضاربة في وجه جميع التحديات التي تواجه المنطقة والعالم.