وعلى رأس ما يشجعني ويدفعني للحديث عن المجلس الاقتصادي التنموي ليس إلا ما تشاهدونه من اجتماع أعضاء المجلس على طاولة خشبية، ودون (رزة) البشت، وأيضا أمام أجهزة وبرامج عرض الأفكار كما تفعل ورش العمل. وهنا، سأقول لسمو الأمير محمد بن سلمان بكل وضوح ومكاشفة: أنت أمام شعب اكتشف أن أبرز عيوب (التخطيط) ليس إلا الفردانية وغياب روح التكامل بين الأجهزة الوزارية المختلفة، وهنا سأشرح المصطلحين بالتبسيط. وما أعنيه بالفردانية ليس إلا سيطرة الرجل الأوحد (one man show). خذ مثلا يا سمو الأمير أن أهم وزارتين خدميتين في حياتنا، وهما التعليم والصحة، قد استأثرتا وحدهما بسبعة وزراء في الأعوام الثلاثة الأخيرة. وكل وزير من هؤلاء يأتي إلينا مغرما عاشقا بالنظام الصحي أو التعليمي الذي يتمنى تطبيقه. أصبحنا محطة تجارب لأنظمة كندا ثم بريطانيا ومن بعدهما هونج كونج أو حتى الحبشة. نحن يا سمو الأمير نريد ونطلب استراتيجية واضحة لا تتأثر بتغيير معالي الوزير ولا دور له في هذه الاستراتيجية سوى بنسبة ضئيلة محدودة.

سأتحدث ثانيا يا سمو الأمير عن غياب التكامل في التخطيط، وبالأمثلة، للبرهان على أن كل وزارة لدينا تعمل في فلكها الخاص بكل ما لهذا الخطأ الفادح من هدر للموارد. خذ مثلا، يا سمو الأمير، أن جامعتي أكملت %70 من بناء مشفاها الجامعي بـ800 سرير وعلى بعد 3 كيلومترات فقط تبني وزارة الصحة مدينتها الطبية بـ1000 سرير وقد وصلت بالمدينة إلى نسبة %50. وأنا هنا أتحدى: لن تستطيع جامعتي إكمال بناء النسبة وتشغيل حلمها الخرافي ولن تستطيع وزارة الصحة بناء وتشغيل 1000 سرير دون مشاركة الجامعة. الضحية في هذه الحالة هو المواطن الذي كان ضحية غياب تكامل التخطيط إذ كان له أن ينعم، ومنذ عامين، بمدينة طبية من 1000 سرير لو أن الوزارة والجامعة اتحدتا في مشروع واحد.

خذ في المثال الآخر المدهش، يا سمو الأمير، صراع وزارتي النقل والبلديات حول فكرة الطرق المحورية: وزارة النقل تبني طرقها العملاقة حول محاور المدن ثم تتوقف تماما عندما تدخل كذبة (النطاق العمراني) لأن هذا من اختصاص وزارة الشؤون البلدية. ولولا ضيق المساحة لكتبت لمقام سموكم الكريم عشرات الأمثلة للبراهين على (الفردانية وغياب التكامل) التي جعلت من التخطيط جزرا معزولة عن بعضها البعض رغم أنها، كلها، تستهدف خدمة المواطن وتأخذ أرصدتها من ذات المال العام.

أختم بهذه الطرفة: 5 من 7 أساتذة جامعة لا يعرفون اسم وزير الاقتصاد والتخطيط في استفتاء عفوي، وهذه لوحدها دلالة كارثة.