أقدر أن تداعيات مجازر النظام السوري فاقت الحد، وأصابتنا جميعا بالجنون، بعدما اقترب ضحايا هذه المجزرة غير المسبوقة منذ العهد النازي من نحو نصف مليون إنسان، ومجرد كونهم بشر فهذه كارثة، فما بالنا وهم أشقاء تربطنا بهم وحدة اللسان والدين والتاريخ، بل والمصاهرة التي تجمع كثيرا من العائلات السعودية والسورية، وأقدر كيف يضطر أخ سوري سقط برميل متفجرات على بيته فقضى على عائلته، أو آخر انتهك عرضه أمامه، إلى التحالف مع كائن يمده بسبب من أسباب القوة للقصاص لأهله، في ظرف بالغ القسوة وفي بلدات أصبحت أرضا مفتوحة للخوف، فلا تثريب على مثل هؤلاء وهم يواجهون ألوان الموت والتنكيل أن يتعاطف أحدهم مع داعش أو غيره من التنظيمات التي تحارب النظام الذي شرده وقتل أهله وانتهك عرضه، لكن أن يتعاطف بعضنا مع هذه العصابات المجرمة فقط لأنها تتحدث باسم الدين، فهذا أمر غير معقول!
فكم من أفاقين ومحتالين يتلبسون رداء الدين استغلوا ثقتنا فيهم، واستولوا على أموالنا ونحن مغمضو الأعين غير مصدقين أن أمثال هؤلاء يمكن أن يسرقوا. وكم من متلبسي الدين غرروا بفتيات وشباب. المظهر الديني ليس صك إيمان، فالإيمان ما وقر في القلب، وصدقه العمل، وبما أن ما في القلوب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، فلم يبق لنا إلا العمل نشهد به على هذا وذاك بأنه بر أو فاجر. ومن هنا نتساءل: لماذا تركز جهاد عصابات داعش في التضييق على نصارى العراق، ودفعهم إلى هجرة أوطانهم التي ورثوها عن أجدادهم في سابقة لم يشهدها التاريخ الإسلامي كله؟
بعدما أعلن رئيس ديوان أوقاف المسيحيين في العراق، أن 10 آلاف مسيحي على الأقل، فضلوا مغادرة مدينة الموصل على دفع الجزية لتنظيم "داعش"، بعد انتهاء مهلة منحها التنظيم المسلح للمسيحيين في المدينة ليختاروا ما بين اعتناق الإسلام، أو دفع الجزية، أو حد السيف!
لماذا يتركز جهاد عصابات داعش في سبي آلاف النساء اليزيديات وبيعهن في الأسواق ورد العالم إلى الوراء مئات السنين، في مشهد مخزٍ لكل مسلم؟
ولعلي في هذا المقام أسأل أحد هؤلاء المتعاطفين الذين يبحثون طوال الوقت عن مبررات لانتهاكات هذه الميليشيات المسلحة باسم الدين: هل تقبل مثل هذه المعاملة لإخوتنا المسلمين في بلدان أوروبا وأميركا صاحبة الأغلبية المسيحية؟ المثير للخزي والأسف والعار، أن حملة انطلقت في بريطانيا قبل أيام شهدت مطالبة أكثر من 35 ألف بريطاني، في عريضة على الإنترنت، بمنع المرشح الجمهوري المحتمل للرئاسة الأميركية، دونالد ترامب، من الدخول إلى بريطانيا، عقب اقتراحه منع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة.
أما في أميركا نفسها فدعت صحيفة "واشنطن بوست" الحزب الجمهوري إلى رفض ترشح دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية بعد هذه التصريحات، في وقت أدان فيه أغلب المتسابقين للحصول على ترشح الحزب في الانتخابات دعوة ترامب الأخيرة. لكن الصحيفة عادت لتقول: إن انتقاده لم يعد كافيا، وحان الوقت كي يقولوا بوضوح إن ترامب لعنة للحزب الجمهوري ولأميركا.
ليس هذا وحسب، بل إن دانا ميلبانك -الكاتب بالصحيفة- شبه ترامب بالديكتاتور الإيطالي الراحل بنيتو موسوليني، وقال إن وجه الشبه بين الاثنين لا يقتصر على الأشياء السطحية مثل تلويحه الدائم بيده اليمنى وحديثه عن "النجاحات الهائلة" وعن "غباء" معارضيه، لكن اقتراحه الأخير بمنع دخول المسلمين إلى أميركا يشير إلى إيحاءات فاشية واضحة.
يحدث هذا الآن في أوروبا وأميركا إثر سلسلة هجمات غادرة خلفت مآسي كبرى ومخاوف أكبر في قلوب المواطنين الأميركيين والأوروبيين، كان أبطال مشاهدها الدموية من المسلمين إلا أن هذا لم يفقدهم صوابهم، ولم يجعلهم يعممون حكمهم على جميع المسلمين، وكان الأولى بهم أن يتعاطفوا مع الضحايا وهم مسيحيون مثلهم، وليذهب المسلمون إلى أقرب جحيم، لكن القوم كانوا عقلاء، ورغم شدة وطأة الأحداث عليهم لم يخلطوا الأوراق كما يخلطها بعضنا، حين يظهرون أو حتى يبطنون تعاطفهم مع هذه العصابات، فلا يرون من واقعها إلا أنها تحارب النظام السوري، أو تحارب عاصر إيران في سورية والعراق، لكن يبقى السؤال: لماذا تغمضون عيونكم عن بقية واقع هذه العصابات، هل أكراد عين العرب جزء من النظام السوري أو النظام الإيراني حتى يحاربوهم؟ هل أبناؤنا في المملكة ورجال أمننا جزء من النظام السوري؟! هل مجتمعنا الذي يُكفر من عناصرهم المريضة نفسيا جزء من النظام السوري؟! هل أبناء الجيش المصري جزء من النظام السوري؟! هل الأمن التونسي جزء من النظام السوري؟!
إن على من يؤيد هؤلاء ويتعاطف معهم أن يعلم أنه يتعاطف مع تنظيم أكبر من محيط الجبهة السورية، تنظيم يتبنى جميع هذه الأعمال الإجرامية، تنظيم يقتل على الهوية ولديه أهداف كبرى لا نعرف حقيقة من تخدم؟
أخي المتعاطف: هل أصبحت بيعتك القلبية للبغدادي؟ هل تنوي أن تلقى الله بهذه البيعة المشبوهة؟ من يكون البغدادي هذا حتى تتبعه وتدير ظهرك لولاة أمرك ولعلماء بلاد الحرمين الذين يجرمون أفعاله وأفعال عصابته ويفتون بالإجماع بأنهم خوارج يجب قتلهم؟ أمر يبعث على الحزن والأسى حين تظهر هذه الروح الجاهلية التي يبرأ منها الإسلام، فمحمد، صلى الله عليه وسلم، لم يبعث لقتل للناس، بل بعث رحمة للعالمين.
هذه هي سنة محمد التي يحز في النفس أن نجد غير المسلمين يعملون بها، وبيننا من يبحث عن مبررات للقتلة والسفاحين. أما آن لهؤلاء أن يخجلوا؟