قال أفلاطون في مدينته الفاضلة "إنه حين تنحط الموسيقى وكلمات الأغاني فإن المزاج العام ينحط".

"رسول حمزاتوف" جاء بعده بأكثر من ألفي عام وثلاثة قرون وقال في روايته العظمى بلدي داغستان: "هذه أرض ليس بها أغنيات، فلنتجاوزها"، وصلاح جاهين نصح العندليب بألا يتوقف عن الغناء إذا ما شاء أن يعيش أكثر "يا عندليب متخفش من غنوتك، قول واحكي عليّا بلوتك، كتم الغنا هو اللي ح يموّتك".

منذ طفولتي لم أنس يوماً كيف كان يرفع ذلك الشيخ الضخم من أقاربي يده اليمنى، بهيبة كبيرة، وهو يسمع "عادك إلا صغير" للفنان العجيب أبوبكر سالم بلفقيه، كانت تلك هي طريقته في التعبير عن لحظة الطرب الهائلة التي تجتاحه، منذها أحببت أبوبكر، وسمعت وما زلت أسمع كل أغانيه بدهشة.

كتبت قديماً وفي هذه الزاوية أنه إلى جوار فهد بلان وعبدالوهاب الدوكالي وصباح فخري ينحدرون من سلالة رهيبة واحدة. إذا رأيت أبوبكر وهو يغني مثلاً "أشكي لمن منك" لن يساورك أدنى شك أن هناك شخصاً ما، في مكانٍ ما، ينزف. عظمة أبوبكر تكمن في فرادة موسيقاه وصوته والكلمات، وفي أسلوبه العجيب وهو يغني، له مريدون، لكن ليس هناك أية فرصة لأن يكون له شبه. وبالتأكيد فإنه بعد ذهاب طلال مداح، طيّب الله مثواه، بقي لنا أبوبكر ومحمد عبده، وإذا ذهبا أيضاً فيا للفراغ الذي سنعلق فيه!

أقول هذا وأنتم ترون هذا الانهيار القبيح في الفن والذائقة، ترعاه شركات الإنتاج ومحطات السلع الرديئة. أحدهم كتب مرة بأنه -ويا للأسف- هذا هو الوقت الذي أصبحت فيه مهازل، مثل "انتا معلم" هي التعبير المفعم عن وجدان الناس. هذا يدعو للعار حقاً!

أبوبكر في مقابلة قديمة معه، ترجع إلى عام 1983 قال إنه وفي مواجهة الضعف الفني وقلة النصوص الجيدة والألحان الكبيرة، فعلى الأقل يجب أن تكون الأغنية صادقة، هذه الميزة التي لا يمكن للفنان الحقيقي أن يتساهل فيها. ثم أقول هذا أيضاً ونحن نرى إلى أي مصيرٍ آلت مسارح كبيرة في هذه البلاد. من يصدق أن مسرحاً عظيماً مثل المفتاحة بأبها، وبعد أن كان يفلح لياليه صوت طلال وهو يقول "شفت أبها"، بعد أبوبكر ومحمد، صار مكاناً لـ"الشيلات"!

شكراً لك أبوبكر، شكرا لأنك غنّيت بفن وبراعة، بصدق وعظمة.