أوجز "إعلان الرياض" الذي صدر في ختام قمة مجلس التعاون الخليجي يوم الخميس (28 صفر، 10 ديسمبر)، رؤية خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز لمستقبل المجلس. وبعد أن اعتمد قادة دول المجلس مجتمعين هذه الرؤية، أكد الإعلانُ عزمَ المملكة على إنجاز هذه الرؤية خلال فترة رئاستها للمجلس التي تمتد من يوم اختتام هذه القمة إلى وقت انعقاد القمة القادمة في نهاية عام 2016.

فما هي الملامح  الرئيسية لرؤية خادم الحرمين الشريفين؟

تشمل الرؤية خمسة محاور: المحور الاقتصادي والاجتماعي، والمحور القانوني والتنظيمي، والمحور العسكري، والمحور الأمني، ومحور السياسة الخارجية. وسأوجز اليوم البعدين الأولين، وسأعود إلى بقية المحاور في مقال لاحق. ففي المجال الاقتصادي، تنص الرؤية على استكمال ما تبقى من متطلبات "الاتحاد الجمركي"، أي بعبارة أخرى إنهاء "المرحلة الانتقالية" التي يمر بها الاتحاد منذ قيامه في يناير 2003، بالعودة إلى المبادئ الحقيقية للاتحاد الجمركي التي نصت عليها الاتفاقية الاقتصادية، بما في ذلك اتخاذ "إجراءات حازمة" لتسهيل وتسريع وتبسيط إجراءات المنافذ الجمركية بين دول المجلس "تمهيداً لإلغائها"، واستكمال المعاملة الخاصة لمواطني دول مجلس التعاون وأسرهم في جميع المنافذ البينية دون استثناء.

وبالمثل فبعد أن مر على تأسيس "السوق الخليجية المشتركة" 8 سنوات، فقد حان الوقت لاستكمال تنفيذ هذا المشروع، وذلك بـ"تحقيق المساواة التامة في المعاملة بين مواطني دول المجلس في كافة المجالات الاقتصادية دون تفريق أو تمييز" في كافة دول المجلس، وعدم السماح للاستثناءات والتأجيل بإفراغ هذا المشروع من محتواه.

وتكلف الرؤية الأمانةَ العامة باتخاذ مبادرات جديدة للمحافظة على البيئة البحرية لدول المجلس، ومعالجة التصحر، ونضوب المياه الجوفية، والتغير المناخي. كما تعهد إليها مهمة "رصد ومراقبة انتشار الأوبئة في المنطقة"، و"تعزيز حماية المستهلك"، بالتنسيق مع جمعيات حماية المستهلك في دول المجلس، وتحقيق التكامل بين دول المجلس في مجال حماية المعوقين، ووضع الآليات اللازمة لتشجيع العمل التطوعي في دول المجلس.

ولأن معظم جامعاتنا أصبحت مؤخراً بعيدة عن التفاعل مع العمل الخليجي المشترك، كلفت رؤية خادم الحرمين الأمانة العامة بالعمل مع جامعات دول المجلس لإنشاء برامج أكاديمية تخصص لدراسة وتطوير التجربة التكاملية لمجلس التعاون.

ولكي تتحقق الاستفادة القُصوى من الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة وغيرها من خطوات التكامل بين دول المجلس، نصت رؤية خادم الحرمين على عدة مبادرات لتوفير البيئة التنظيمية والقانونية الضرورية لذلك. فتنص الرؤية على "سرعة استكمال منظومة التشريعات الاقتصادية التي تساعد على تقريب وتوحيد البيئة القانونية في دول المجلس"، بما في ذلك إصدار القانون التجاري الموحد، وقانون المنافسة، وقانون مكافحة الغش التجاري وغيرها، إضافة إلى تحويل القوانين الاسترشادية التي سبق تبنيها إلى قوانين ملزمة.

ولتوفير ضمانة قضائية لحصول المواطن على حقوقه التي تكفلها قرارات وقوانين واتفاقيات مجلس التعاون، تنص رؤية خادم الحرمين على "تشكيل الهيئة القضائية"، التي سبق الاتفاق على نظامها الأساسي، ولم يبق سوى تشكيلها وبدء عملها.

ونظراً لتعدد المنظمات الخليجية الرسمية، واختلاف مرجعياتها وآليات عملها، وعدم فاعلية بعض منها، نصت الرؤية على "وضع كافة المؤسسات والمنظمات والمكاتب الخليجية تحت مظلة الأمانة العامة لمجلس التعاون"، وتحت إشراف المجلس الوزاري، مما سيساعد على زيادة كفاءتها، وتفادي الازدواجية بينها، وضمان اتساق عملها واندماجه في العمل الخليجي المشترك.

ولزيادة سرعة وتيرة الإنجاز في إطار المجلس، تضمنت رؤية خادم الحرمين الشريفين، إمكانية الاتفاق بين عدد من الدول الأعضاء على أي إجراءات تكاملية تراها، في إطار المجلس، على أن تتبعها بقية الدول متى ما كان الوقت مناسباً لها. أي عدم الانتظار إلى أن تكون جميع الدول جاهزة قبل بدء أي مشروع أو خطوة تكاملية تفيد المواطن.

تم الاتفاق أيضاً على تسريع إجراءات إنفاذ قرارات المجلس الأعلى، وكذلك إجراءات التصديق على الأنظمة والقوانين والاتفاقيات التي يعتمدها المجلس، لضمان إنفاذها في مواعيدها التي يحددها المجلس، مما سيسرّع من استفادة المواطن من الخطوات التكاملية التي يتبناها المجلس الأعلى، بدل الوضع الحالي، حيث تظل بعض قوانين واتفاقيات المجلس رهن إجراءات المصادقة من قبل مجالس الشورى والنواب سنوات طويلة.

وتتضمن رؤية خادم الحرمين الشريفين مقترحات أقرها قادة دول المجلس لتسريع وتيرة التعاون وخطوات الترابط الأمني والعسكري، بهدف استكمال منظومتي الأمن والدفاع بين دول المجلس، كما تتضمن مقترحات لتعزيز المكانة الدولية لمجلس التعاون ودوره في القضايا الإقليمية والدولية، وإنجاز الشراكات الإستراتيجية والاقتصادية التي تعود بالنفع على مواطني دول المجلس، وعلى المنطقة. وقد يتساءل القارئ: كيف سيتم تنفيذ هذا البرنامج الطموح؟ والجواب أن المملكة العربية السعودية تعهدت في "إعلان الرياض" بالتنسيق والتعاون مع الدول الأعضاء والأمانة العامة لمجلس التعاون لوضع رؤية خادم الحرمين الشريفين، بعد أن تبنتها القمة، موضع التنفيذ خلال فترة رئاستها للمجلس، أي خلال عام 2016.

وإذا حدث هذا، أي إذا ما قامت الأمانة العامة، واللجان والمجالس الوزارية والفنية العاملة في إطار مجلس التعاون بتنفيذ هذه الرؤية خلال الوقت المحدد، فستتحقق نقلة نوعية في أداء مجلس التعاون.