في العاشر من يناير 2013 صدر المرسوم الملكي في عهد الملك الرائد "عبدالله بن عبدالعزيز"، رحمه الله، بإعادة تشكيل مجلس الشورى، وضمنه %20 من النساء، حيث تم تعيين 150 بينهم 30 سيدة، من كبار المؤهلات السعوديات في مختلف التخصصات، وقضى المرسوم الملكي آنذاك بأن يكون للنساء هؤلاء دور في كل قرار ولجنة داخل المجلس.
الآن بقي للمجلس في هذه الدورة عام ونيف، ولا شك -عندي- أنه في دورته القادمة سيضم 30 سيدة أخرى، أو تجديد لبعض الموجودات الآن، وإضافة سيدات أخريات من ذوات الكفاءة العالية، وهن كثر في بلادنا.
ولو سألت أحداً من المواطنين ما أبرز قرارات المجلس في دورته الحالية برجاله وسيداته، لقال لك –إن كان ساخراً- الحفاظ على بيض الحبارى، وإن كان جاداً قال، نظام الأحوال المدنية الجديد الذي يعطي المرأة بعض حقوقها، إن تم اعتماده بعد التصويت الأولي الذي جعله قيد الدراسة الآن لدى اللجنة المختصة في المجلس نفسه، وأرجو ألاّ تنتهي مدة المجلس بعد عام وهو تحت الدراسة، فمن اقترحه وقدمه من الأخوات والإخوة الأعضاء "سارة الفيصل، هيا المنيع، لطيفة الشعلان، ناصر بن داود" يجدون الدعم والإشادة والتقدير من المجتمع كله، مما يؤكد أن صدمتهم ستكون كبيرة، لو –لا قدر الله– تم تعطيل أو عدم اعتماد المشروع من الجهات الأعلى سريعاً مع التطبيق الفوري، وهذا ما أرجوه، وواثق أنه محل تقدير واهتمام القيادة.
والآن سأقول لكم أمراً مهماً جداً أنجزه أو تجاوزه مجلس الشورى، وهو في حد ذاته إنجاز عظيم جداً، لم يعلم عنه الإعلام مطلقاً ولم ينشر، ولا يعلمه إلاّ المقربون جداً من أعضاء وعضوات المجلس حالياً، لكنهم جميعاً –أو معظمهم على الأقل– يخافون وربما يخجلون من التحدث عنه، فكيف يكون إنجازاً للمجلس وفي ذات الوقت مخيف أو مخجل لأغلبية أعضائه من الجنسين!؟
لا أخفيكم سراً، أنني حين علمت عن هذا "الإنجاز العظيم" عذرت أولئك الذين يخافون أو يخجلون من البوح به، فهو مخجل حقاً، لكنه حدث فعلاً، واستغرق إنجازه أكثر من 3 أشهر، لقد أشغل جميع الأعضاء والعضوات، ورئيس المجلس، وبعد مد وجزر، تم تشكيل لجنة درست وفكرت، وبتت في الأمر، وتم الاتفاق ضمنياً على الكتمان، لأن المطالب بالأمر –ربما– اكتشف أنه بلا عقل فأصبح خجلاً من التحدث عنه، والرافض للطلب وجد أن الحديث عنه –ربما– فضيحة لا تليق بالمجلس فسكت الجميع عما يمكن تسميته "معركة الحاجز" التي -بحمد الله- انتهت دون خسائر ولا فضائح!
ما الذي حدث؟!
الذي حدث أنه بعد إعلان أسماء أعضاء وعضوات المجلس الـ150 ذهبوا جميعاً لأداء القسم بين يدي الملك عبدالله، وتشرفوا جميعا بالسلام عليه -رحمه الله- والتصوير معه، وبدأ الدوام، وقد تم الترتيب لمدخل خاص للنساء الجديدات، وأماكن جلوس لوحدهن على يمين جلوس الأعضاء، وعلى يسار من يشاهد التلفزيون، كما هو الحال الذي يعرضه التلفزيون عن جلسات المجلس الأسبوعية، لكنّ عدداً من الأعضاء والعضوات لم يعجبهم هذا الوضع، ورأوا فيه خطراً على الأمة، بل ربما على الأرض، والحقيقة أنه كان وما زال خطراً عظيماً على التنظيم الحركي المسمى "السرورية" والمتوغل في المجتمع وفي كل المفاصل المهمة حتى اليوم.
المهم أن هؤلاء، بدؤوا في المطالبة بإقامة حاجز بين نساء الشورى ورجاله، وعندما علم البقية بهذه المطالبة، سارعوا إلى المطالبة برفض الطلب، وطيلة 3 أشهر كانت معركة "الحاجز" مستمرة، في حين أن البلد والمواطنين كانوا يظنون أن المجلس بدأ الانشغال بقضاياهم، وعندما اشتد وطيس المعركة اضطر رئيس المجلس إلى تشكيل لجنة لإنهاء المعركة، ولم تتأخر اللجنة حتى قدمت تقريرها وقرارها بعدم الحاجة للحاجز الذي لو أقيم سيكون أكبر نكتة في القرن الواحد والعشرين، لكن الله سلم، بفضل الله ثم وعي اللجنة، وقرار رئيس المجلس.
عندما علمت –أخيراً– عن هذه المعركة، عذرت لجنة الانتخابات البلدية، التي وضعت شروطاً يرفضها الشرع والعقل بالنسبة للمرأة، وأهمها منع الاختلاط، وعدم السماح للمرشحة من النساء بمقابلة الناخبين لإعلان برنامجها، طبعاً -وأنا مقتنع تماماً- بأن المجالس البلدية ليس لها أي قيمة مطلقاً، مهما أعطيت من صلاحيات، فهي تابعة للبلدية، وما قيمة أي مجلس بلدي يجوز أن يرأسه رئيس البلدية أو الأمين، وقد حدث، وحتى لو منع، فأيضاً لا قيمة للمجلس، لكن من حيث المبدأ فإن السماح للمرأة ناخبة ومنتخبة يعد جيداً، لكن شروط منع الاختلاط وتجريم لقاء المرشحة بناخبيها يعد إجهاضاً للمبدأ الجميل، وتأكيداً على شكلية الانتخابات أصلاً، فالعالم يظن أن هذه المجالس البلدية هي مثل نظيراتها عندهم، ولا يعلمون أن مجالسنا لا دور لها مطلقاً حتى في مسؤوليات البلديات التي تتبعها هذه المجالس، وتدفع لهم رواتب شهرية معروفة، فوزارة البلديات المشرفة على الانتخابات تجامل -ومع الأسف الشديد- أفكار المتطرفين والتطرف العام السائد في أمور شكلية لا يقرها عقل ولا شرع، وتسيء إلى وطننا في الداخل، وسمعته في الخارج، لكن الوزارة بالرواتب المعطاة للأعضاء الفائزين تتبع المثل القائل "أطعم الفم تستحي العين" فيما يتعلق بصلاحيات المجالس، ولذلك نقول لها: استمروا "بس اللعبة مكشوفة".