مساء السبت الماضي استمتعت بمتابعة الحوار الثري مع رجل الدين والسياسي العراقي "الشيعي" إياد جمال الدين في برنامج "نقطة نظام" الذي تقدمه قناة "العربية"، وفي البدء أود أن أشير إلى أن المذيع الزميل "حسن معوض" من أفضل من شاهدت في هذا النوع من برامج الـ"هاردتوك" عمقاً معرفياً وقدرة على السرعة وحضوراً مقنعاً.
في هذه الحلقة التي تمنى فيها "جمال الدين" وجود "أتاتورك" عراقي يفرض القانون بالقوة ويستعيد وحدة العراق، توقفت بكثير من التأمل عند قوله "إن الدولة مؤسسة قانونية لا يجوز أن نقول إن لها، أو ليس لها دين"، داعياً إلى قوانين مدنية للدولة، إذ يعتبر أن هذه القوانين المدنية "تشكل حلاً للشريعة والأفراد"، وشبّه جمال الدين "حزب الدعوة العراقي" بأنه نسخة عراقية من جماعة الإخوان المسلمين، من حيث كونه تنظيماً له جانب سري دموي منظم، مثل الجناح العسكري "الدموي" لجماعة الإخوان المسلمين، وقال إن "صدام "لم يكن يستهدف الشيعة كطائفة"، بل كان يستهدف كل من كان يعتقد أنه خطر عليه، المعروف عندي كمعلومات، أن عدداً كبيراً جداً من الإخوة الشيعة كانوا أعضاء في حزب "البعث" العراقي، ولم يكن الحزب طائفياً مطلقاً، وأن "حزب الدعوة" الشيعي هو الذي ينتمي إليه "نوري المالكى" رئيس الوزراء السابق، و"حيدر العبادي" رئيس الوزراء الحالي، وغيرهما من كبار المسؤولين في العراق، الآن وفى السابق، وأن "نوري المالكى" كان صريحاً وواضحاً وهو يعلن انتماءه إلى "الولي الفقيه" في "إيران"، وإصراره الدائم "قولاً علنياً وفعلاً علنياً" على الأخذ بثأرات "الحسين رضي الله عنه" في خطاب متكرر وفعل ميداني يرسخ الطائفية ويبرر الإجرام باسمها، هذا عدا تبديد ونهب ثروات العراق، وتكريس توتر العلاقات السياسية مع دول الإقليم كله عدا "إيران" كما هو معروف.
ما يهمني أكثر من كل هذا أن "إياد جمال الدين" قال إن اتباع الولي الفقيه يعتبر "خيانة وطنية"، لأن هذا "الولي الفقيه يعتقد هو وأتباعه، وهم قطعاً مخدوعون، أنه يشرع للكرة الأرضية كلها، وبالتالي فإنه بالضرورة العقدية، قتال وقتل كل من لا يتبعه، ومن هنا جاء شعار "تصدير الثورة" الإيراني الأجوف، وهذه "الكذبة التاريخية" الكبرى، هي التي جاء بها "الخميني" وهي التي أوصلته إلى سدة الحكم، وأفضت إلى ما أفضت إليه، من جرائم معروفة داخل إيران وخارجها". المهم أنني عند هذه النقطة من الحوار، تذكرت مقالي الذي نشر في نفس اليوم والذي كان محوره الأساسي هموم "الوطن" والأخطار المحدقة به، والذي يتحمس بعض أبنائه وبناته –علناً– لجماعة "الإخوان المسلمين" الإرهابية حسب تصنيف معظم الدول وأهمها المملكة نفسها، ويهبون للدفاع عنها، بل ويعادون رئيس مصر "عبدالفتاح السيسي" ويلعنونه ويشنعون عليه –علناً– لأنه والجيش المصري أطاحوا بنظام "الإخوان" المتمثل في "مرسي العياط وجماعته"، وفق ما هو معروف، ومعلوم سلفاً أن "جماعة الإخوان المسلمين" لها مرشد عام، ولها تنظيم محكم، وجناح عسكري سري، وأن هذا المرشد يبايعه كل من ينتمي للجماعة في العالم كله، وهو يأخذ البيعة مباشرة أو عبر ممثليه، ومعروف –أيضاً– أن لهذه الجماعة، أحزاباً مماثلة تنتمي إليها، وتتسمى باسمها، وهي أحزاب معلنة معروفة في معظم الدول العربية، وسرية تنكر انتماءها –علنا– للجماعة أو للمرشد، في دول أخرى أهمها المملكة، التي لا تقر ولم تقبل تنظيماً كهذا منذ أيام المؤسس العظيم –رحمه الله– وحتى يومنا هذا، ومعروف وثابت –أيضاً– ما قاله الأمير نايف –رحمه الله– عام 2006 من أن كل بلاوي المملكة ومشاكلها مع الإرهاب جاءت من جماعة الإخوان المسلمين، الذين احتضنتهم المملكة –أيام الملك فيصل– وحمتهم وأكرمتهم، ومكنتهم من العمل والحياة الكريمة، لكنهم لم يقدروا هذا الموقف وأخذوا يكيدون لبلادنا سراً.
وأنا –وغيري كثر– نعلم، وهو مدون للتاريخ في أبحاث وكتب أن "السرورية" التي انتشرت في بلادنا وتوغلت في كل المفاصل المهمة والإدارات، تحت رداء ما سمي "الصحوة"، هي مزيج من "التنظيم الحركي للإخوان المسلمين" ومن "السلفية التقليدية المتشددة فقهياً"، وأن هذه "السرورية" هي الأم الأساسية التي ولدت "السلفية الجهادية" التي خرجت من ردائها "القاعدة" وعلى أنقاض الأخيرة نشأت "داعش" المعروفة اليومِ. ولا أظن أنني في حاجة هنا للقول: إنني لا أتهم أحداً –معاذ الله– بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، كأشخاص معينين، فهذا الاتهام –الخطير– ليس من مهامي أصلاً، ولا هذا دوري –كمواطن سعودي– فهناك جهات رسمية مختصة هي المسؤولة عن هذا الأمر، لكنني أقرأ وأسمع سعوديين كثرا ومن الجنسين، متعاطفين –علناً– مع تنظيم جماعة الإخوان المسلمين، الذي أسقط الجماعة وحرمها من فرصة التمكين الوحيدة التي حققتها طيلة تاريخها الطويل، وجاء السيسي والجيش وأسقطهم وطاردهم وما زال يطاردهم، بل إن هؤلاء السعوديين المتعاطفين الناقمين على النظام المصري ورئيسه، يتعاطفون ويؤيدون إردوغان وحزبه العدالة والتنمية علناً في أي قرار سياسي أو تنموي، وهم يعلمون علم اليقين أن تركيا دولة علمانية وأن إردوغان وهو يرفع شعارات إسلامية ويدعمها بالمصحف في يمينه، ما فتئ يؤكد اعتزازه وحزبه ودولته بعلمانية تركيا، وأنه نصح –علناً– جماعة الإخوان المسلمين في مصر حين تمكنوا بأن يطبقوا العلمانية، لكنهم لم يفعلوا، وحين سقطوا اتخذ إردوغان موقفاً سلبياً وما زال مستمراً على اتخاذه إلى اليوم من الثورة المصرية في 2013، ومن النظام الذي نشأ عنها، وتبعه في الموقف أعداد كبيرة من إخواننا وأخواتنا المواطنين والمواطنات السعوديين، وكذلك كثيرون من مواطني دول الخليج، والدول العربية الأخرى، والفرق بين كل هؤلاء هو أن إخواننا وأخواتنا المواطنين السعوديين ينكرون –علناً– انتماءهم للجماعة ومبايعة المرشد، والآخرون من الدول الأخرى لا ينكرون ذلك لأن لهم تنظيمات وأحزاباً مماثلة معلنة، وأكثر ما يبررون به انتماءهم؛ أن الأمر لا يتعدى الارتباط العاطفي والفكري.
الآن اسمحوا لي أن أتساءل معكم –علناً– هل نتفق مع الأخ إياد جمال الدين رجل الدين والسياسي العراقي في ما قاله من أن الارتباط بالولي الفقيه يعد خيانة وطنية واضحة؟ أنا –شخصياً– أتفق معه، فهو أولا شيعي المذهب، وهو ثانيا برأ معظم الشيعة العرب، وهو فوق ذلك فقيه وسياسي عراقي معروف، ولهذا أتساءل: هل نقيس على رأيه ورؤيته ونقول: إن الانتماء لمرشد جماعة الإخوان المسلمين والمتعاطف معها يمكن أن نتهمه بالخيانة الوطنية، سيما أن المرشد والجماعة تنظيمياً وسياسياً ورؤية متطابقان –تقريباً- مع فكرة ومضمون الولي الفقيه؟ لقد فهم قلة من الإخوة القرّاء والأصدقاء مقالي المشار إليه أعلاه على أنني ضد تركيا أو ضد حزب العدالة والتنمية التركي، على الرغم من كل نجاحاته الاقتصادية –المعروفة– وكل إنجازاته الكبرى، وأن تركيا دولة إسلامية قريبة من المملكة موقفاً وفعلاً وسياسة، والحقيقة أنني سأعتبر نفسي تافهاً لو كان هذا هدفي، فمكانة وإنجازات حزب العدالة والتنمية يراها ويعرفها حتى العميان الصم، ثم لست صانع قرار في السعودية كي أقرر تقوية الروابط السياسية معها أو إهمالها، ولا أدعي قربى منه، كما فعل ويفعل البعض ممن ذكرت أو لم أذكر.
ولم يتضمن مقالي ذاك، أي اتهام أو تشكيك في وطنية أحد مطلقاً، فأنا أربأ بنفسي أن أزعم، كما يزعم بعض إخواننا الوعاظ ممن يسمون أنفسهم دعاة وطلاب علم؛ قراءة نوايا الناس ومقاصدهم، فهذه النوايا والمقاصد لا يعلمها إلا خالق الدنيا كلها وهو من اختص –جل وعلا– بمحاسبتهم عليها، وليس لنا كبشر سوى الظاهر، ولا شيء سواه، وحين يظهر –علنا– أي أمر يضر الوطن فإنني لا أتردد في المبادرة إلى دحضه وفق قدراتي.
ولأنني كنت وما زلت، وسأظل بإذن الله كذلك، فإنني فقط أتساءل هنا: هل ما نراه ظاهراً من تعاطف وولاء لجماعة "الإخوان المسلمين" ومرشدها يعتبر "خيانة وطنية" قياساً على اعتبارها كذلك لمن يرتبط "بالولي الفقيه"؟ مجرد تساؤل؟ فتساءلوا وحاولوا الإجابة!