العنوان أعلاه اختاره المفكر والفيلسوف اللبناني علي حرب، ليكون ضمن عناوين فصول مكاشفاته وتدوينه لسيرته الفكرية، فهو كما يقول: إسلامي النشأة ولكنه منفتح على جميع الآراء، ومتوحد مع مختلف المذاهب والعقائد، هو مسيحي لأنه يؤمن بحلول الروح في الجسد ويهوى التنسك ويصفح عمن يسيء إليه، وهو يهودي لأنه يقر بالنسخ بما هو تبدل من حال إلى حال، وهو وثني لأنه يقدس أشياءه، وبوذي لأنه ما أحب شيئا إلا وتاق إلى الفناء فيه وسعى إلى أن يعيش به وفيه وله، بل كان يرى أنه لا يخلو من زندقة وإلحاد، فهو وإن كان يؤمن بالغيب كما يقول ويشهد على ألا مرئي فإنه في بعض أطواره وأحواله يتصرف وكأنه لا وجود إلا لهذا العالم المحسوس المشاهد، إن القارئ لسيرة علي حرب يلمس حيرته وارتباكه بين إيمان الفطرة ويقين البرهان، فالدين عنده مجموعة من الأغلفة المبهرة يسهل تمزيقها وإعادة ترميمها بما يناسب الحالة ويقتضيه الموقف، المتسم بالمرونة والانفتاح والتكامل والشمول، حين نظر في حياة الأفراد والجماعات من الناس وقارن بين أحوال الأمم ماضيا وحاضرا، وسبر أغوار التصرفات وغاص في طيات النفس وبحث عن أصول الأخلاق، وكشف عن خلفيات العقائد وذهب إلى ما وراء الشرائع، ورجع إلى بدايات التمدن ونقب عن جذور الوعي، كل هذا أوقع (حرب) في أفخاخ الأيديولوجيا بطبقاتها الحاجبة وتبريراتها الواهية وتفسيراتها المقلوبة، فالمتتبع لهذه السيرة الفكرية يذهله هذا التأرجح والمبادلات في الأفكار والحقائق والثوابت، وتخرج منها وأنت غير قادر على فهم كينونة علي حرب، نتيجة تردده وذاتيته المفرطة والدوران في فراغ المعنى، فالرجل يطالب البشرية بالاتجاه نحو (دين جديد) ذي طابع كوني (يشعر معه الناس بأنهم مدينون تجاه بعضهم البعض، أي بأنهم مدينون للزهرة، على حد تعبيره، التي تزين دنيانا، وللسنبلة التي نصنع منها خبزنا اليومي، وللحيوان الذي نتغذى بلبنه ولحمه، وذلك بكسر النرجسية القاتلة والمدمرة التي يجسدها منطق التسخير والسيادة كما نجده في النص القرآني أو في الخطاب الديكارتي)، هذا هو المفهوم الجديد للإيمان بمعناه الوجودي أو الكوني عند علي حرب، بل زاد على ذلك بأن حريته الفكرية تحمله على ألا يسلم بأي مرجعية مقدسة أو نهائية، تأسره أو تستحوذ على فكره بوصفها تمتلك اليقين النهائي، أو تقدم القول الفصل في حقائق الأمور، ولكنه يعترف أخيرا على أن ما يسيره كداعية عقلاني هو (الهوى) وليس العقل، والفلاسفة هم الأقل تعقلا كما يقول، أسوأ ما في السيرة الفكرية للمفكر علي حرب هو آخر فصولها، بما فيها من قبائح وعيوب ومساوئ وصفاقة، حين جاءت بصورة فاضحة ومتهتكة ومليئة بالفحش والفوضى والاضطراب.