ما زلت أتذكر مقولة نقدية بارعة، للصديق الشاعر والناقد محمد النفيعي، رحمه الله، حول تلك اللغة الشعرية في نصوص الكبير الأثير محمد الثبيتي، وهي مقولة استوقفتني كثيرا لجمالها، إذ قال باختصار شديد وعُمق: "لغة نصوص محمد الثبيتي الشعرية، هي حلقة الوصل اللغوية، من امرئ القيس حتى محمود درويش".
المقصود في الجملة النقدية الباذخة تلك للنفيعي، أن محمد الثبيتي يكاد يكون الشاعر الوحيد الذي تتكشف لغته الشعرية، وتراكيبها اللغوية، عن أصالة المفردة العربية الفصحى والمعروفة في قصائد شعراء الجاهلية وصدر الإسلام، بما في تلك القصائد من فصاحة وغرائبية لفظية جاذبة للأذن، وبين المفردة الشعرية الحديثة بكل ما فيها من بساطة، تميل إلى توظيف مفردات اللسان اليومي المتداولة في أحاديث المثقفين والأعلام، أو ما يمكن تعريفه باللغة المثقفة.
هذا من ناحية التركيب اللفظي للغة الثبيتي الشعرية، وأما الصور الشعرية والأخيلة، فهي مزيج أيضا بين بطحاء مكة وغرف التوقيف في الشرطة، هي خليط من صحراء الماضي، وأسمنت الحاضر، في تماه عجيب، لا تعلم معه: هل فنان تلك اللوحات الشعرية عاش في شارع المنصور بمكة، أم في خيام امرئ القيس ولوعاته وأطلاله.
قلتها وأعيدها: لو أُعطي محمد الثبيتي ربع ما أُعطي نزار أو محمود درويش أو سميح القاسم أو غيرهم، من الهالة الضوئية الإعلامية، لتصدر مشهد الشعر العربي الحديث، منفردا، ومتفردا، ومغردا.
لقد تذكرت مقولة النفيعي تلك، وأنا أردد مع سيد البيد:
مَضى شِرَاعي بِمَا لا تَشتهِي رِيحِي
وفَاتَنِي الفِجْرُ إذْ طالَتْ تَرَاوِيحِي
أَبْحَرْتُ تَهوِي إلى الأعماقِ قَافِيَتِي
ويَرْتقِي في حِبالِ الرِّيحِ تَسْبِيحِي
مُزمَّلٌ فِي ثِيَابِ النُّورِ مُنْتَبِذٌ
تِلْقَاءَ مَكَّةَ أَتْلُو آيَةَ الرُّوحِ