قال لي صاحبي مساء ما قبل البارحة في واحد من أغرب الأسئلة: هل تتابع أحدا من أصحاب الفضيلة وطلبة العلم في وسائل التواصل الاجتماعي؟ قلت له فورا: نعم، وهما اثنان لا ثالث لهما وبحسب أقدمية السن (وأرجو ألا يحدث ذلك بينهما حتى مجرد مزحة): سلمان العودة وعائض القرني.
أحببت تغريدات عائض القرني لأنها تأخذني إلى فطرة هذا الدين السوية الوسطية المتسامحة وكأنني معه أعود إلى فطرة وبراءة قريتي قبل 40 سنة. أنا أبدأ مشواري مع (تويتر) بالتقريب عند العاشرة صباحا وعلى سطح (الجوال)، يدعو (أبا عبدالله) متابعيه إلى فضل صلاة الضحى بلغة حانية تخجل بعدها ألا تقوم بها إن لم يكن لديك عذر. في تغريدات عائض القرني تناغم مذهل بين مفاهيم (الوطن والأمة) فلا يطغى فيها مصطلح على حساب الآخر. ومعه أجد نفسي، كما هي، في ذلك القروي الفطري الذي يعشق أشعار المتنبي مثلما أطرب لبعض أبياته الجبلية الشعبية لأهازيج هذه القرى التي عشت فيها (شعفيا) حتى الثمالة. سأعترف لكم أن أخي، عائض القرني، هو جهة الفتوى الرسمية لدى عائلتي، وأنا لا أهاتفه إلا في مسائل الزكاة. وقبل زمن، هاتفته في مسألة فأجابني بفتوى يسيرة متسامحة، قلت له: أعطني الأكثر تشددا في المسألة، لكنه على الفور أجاب: لا يوجد في ديننا تشدد ولا تطرف. وقد لا يعلم الكثير أن عائض القرني هو النجل الأكبر لوالده المرحوم شيخ نصف قبيلته. وحين هاتفته معزيا في وفاة والده قبل سنوات، طلبت منه أن يترك (مشيخة) القبيلة لأنه شيخ شريعة وطالب علم، وهذان لا يجتمعان في شخص، وهو بالضبط ما فعل، وتركها لأخيه الأصغر.
تبقى من مساحة المقال مسافة صغيرة للكتابة عن سلمان العودة لا تتفق مع حجمه وتقديري له، ولكن سأدعوكم لهذه اللقطة: في بحر الأسبوع الماضي دعتني زوجتي المحافظة إلى مشاهدة مقاطع متتالية لـ(سناب) سلمان العودة وهو يأخذ عائض القرني في رحلة إلى مدينة (شقراء) وكان ثالثهما وجه بريء سمح أبيض لشيخ لا أتذكر من اسمه سوى (فلان) الزهراني. كانت صورا مذهلة في كل التفاصيل وعلى الفور قلت لها: كم أتمنى لو كنت لهؤلاء الثلاثة ولو مجرد سائق أو حتى مشرف (وجبة) الشواء التي كان بطلها (أبا معاذ)، سلمان العودة، في ذات المقطع، ومن المؤكد أن مواهبي، وكما شاهدت، أفضل من موهبته.
لمثل هؤلاء سأنحاز بلا تردد أو مواربة... انتهت المساحة.