اجتمعت دول "الأوبك" الجمعة الماضية وكان هناك ترقب من جميع دول العالم للقرار والذي خرج: "لا قرار"! لم يعد للأوبك خيارات أخرى، فرفع الإنتاج أو خفضه أو إبقاؤه كما هو لن يقدم ولن يؤخر في المعادلة، نظرا لزيادة المعروض من خارج أوبك.
ترهُّل سياسة "أوبك" وفقدانها لقوة التأثير في توازن العرض والطلب للنفط والتأثير في أسعاره يحتم ضرورة تغيير استراتيجيات المملكة لتسويق وبيع النفط. لا شك أن سياسة "أوبك" كان ذات قيمة في وقت مضى، أعطت الكثير، ولكن آن الأوان للبحث عن بديل.
لا يخفى على الجميع أن ارتفاع أسعار النفط خلال السنوات الأربع الماضية لم يكن بقيمة مضافة من الدول المصدّرة، بل بفضل فرض عقوبات على إيران وتعثر العراق لسنوات والفوضى الأمنية في ليبيا، والتي أثارت مخاوف من نقص إمدادات النفط العالمية.
سياسة "أوبك" التي تتمحور في "خفض الإنتاج" أو "رفع الإنتاج" عملت لسنوات طويلة ولكنها وصلت إلى النهاية، ولا يمكن لهذه السياسة أن تنافس التقدم التكنولوجي في الدول المتقدمة، لا شك أن الدول المستوردة والأكثر استهلاكا للنفط هي الأكثر قلقا على مستقبله ووفرته واستقرار أسعاره، وهذه الدول أساسا متقدمة في التطوير التكنولوجي وتعمل جاهدة على بدائل النفط بأنواعه، فبقاء الدول المصدرة للنفط معتمدة على تصديره لن يشفع لها في مواجهة التطور التكنولوجي.
في المقالين السابقين تحدثنا عن تحديات وفرة النفط الصخري والتكنولوجيا التي تستطيع استخراجه، وتحسينها وتطويرها مستقبلا، وتطرقت إلى البدائل وتحسن صناعة محركات السيارات.
سياسة النفط في المملكة لم تعد كالسابق، في ظل وفرة العرض الحالي التي تقدر بثلاثة ملايين ونصف المليون برميل يوميا، فهناك فرص كثيرة تفتقد إليها السعودية، قرارات اتخذت في زمن قديم وكانت جيدة آنذاك. المملكة لها سياسة تحفظية كثيرا في تجارة النفط، وإن لم تتطور فإن النفط السعودي لن يقاوم من أجل البقاء في المقدمة والمنافسة. أسعار النفط ليست آمنة، فقد ارتفع المعروض النفطي 3 % العام الماضي وتسبب في خفض سعره إلى أكثر من 50 %، وانخفض التداول التجاري بين دول العالم للسلع النفطية من 3 تريليونات دولار إلى 1.5 تريليون دولار في عام واحد.
غير جدير بالنفط أن يتم تداوله بعقود شهرية وعقود آجلة في بورصات نيويورك ولندن ودبي وعمان وطوكيو، ليس هذا فقط، بل إن نفط كل الدول يتم تداوله في تلك "البورصات" عدا النفط السعودي المتحفظ. أليس الأجدر أن تكون الرياض أكبر مركز للتداول الإلكتروني وبورصة لأسواق النفط؟ أليس جديرا بالمملكة أن تستعين بعوامل التنافس هذه؟ لدينا أكبر صادرات نفطية ولدينا إنتاج من الأكبر في العالم ولدينا تحالف خليجي. قبل أن نراجع هذا الملف، علينا أن نتقبل النقاش في أسباب عدم الدخول به أساسا لنعرف أن الأسباب لم تعد قائمة.
سياسة النفط شبيهة بسياسة الاستثمارات في السندات الأميركية، آمنة ولكنها غير مربحة كثيرا، على عكس الدول التي تستخدم الصناديق السيادية، هذا ما يحدث للنفط، نفتقد إلى الفوائد التي تحصل عليها الدول التي تتداول نفطها في أسواق التداول النفطية، وأصبحت الآن عاملا للتنافس وربما للبقاء.
ذكرنا أن عدد السيارات عام 2015 في العالم وصل إلى مليار سيارة وتعتمد بأكثر من 97 % على مشتقات النفط، البنزين والديزل. وسيرتفع عدد السيارات إلى مليار و700 مليون سيارة عام 2040 "أي بعد 25 سنة"، ولكنها ستعتمد على كمية البنزين والديزل المستهلك اليوم، أما الـ700 مليون سيارة الزائدة فستعتمد على بدائل النفط، كهرباء ومزيج هايبرد.
أتوقع أن تكون المملكة في ذلك الوقت أفضل من كثير من الدول النفطية من حيث الإيرادات النفطية، ولكن قد تكون التحديات أصعب من اليوم، ولذلك يجب على المملكة "أولا" المبادرة سريعا بتطوير سياسة بيع النفط، "ثانيا" تنويع مصادر الدخل بتطوير الصناعات والتكنولوجيا، "ثالثا" عمل دراسات لتطوير مخرجات أخرى للمنتجات النفطية كتصدير الكهرباء.
الذي سيحدث مستقبلا أن قطاع المواصلات -العميل الرئيسي للنفط- سيعتمد أيضا على بدائل النفط، وهذا يعني كثيرا للدول المصدرة، فالدراسات المعترف بها دوليا تشير إلى قلق قادم للدول النفطية، فبكل تأكيد نحن بحاجة إلى تنويع مصادر الدخل وأيضا إلى إيجاد عملاء آخرين للنفط.
مع تزايد سكان العالم ومع تطور الحياة المعيشية لثلث سكان العالم "الهند والصين"، سيرتفع الطلب على الكهرباء، وبإمكان المملكة إنتاج وتصدير 17 جيجاواط من الكهرباء باستخدام نصف مليون برميل من النفط، قد يكون هذا بديلا مساعدا. قد يجادل البعض بأن المملكة تواجه صعوبات حالية في تلبية الطلب على الكهرباء محليا وهذا صحيح، ولكن أتمنى ألا تكون تحدياتنا الحالية عائقا لبناء المستقبل.
أرجو ألا نتفاجأ من هذا الطرح، ولكن لنتذكر كلام الوزير علي النعيمي قبل 6 أشهر، عندما قال في مؤتمر الأعمال والمناخ في باريس: "في السعودية ندرك أنه في نهاية المطاف، في يوم ما، لن نكون في حاجة للوقود الأحفوري، لا أعلم متى، في 2040 أو 2050، لذا بدأنا برنامجا لتطوير الطاقة الشمسية"، ثم أضاف "نأمل أن نصدّر يوما ما الكهرباء، بدلا من الوقود الأحفوري. ألا يبدو ذلك جيدا"؟.. الوزير ذكر الطاقة الشمسية، ربما مع النفط أيضا.
هذا ما قاله الوزير علي النعيمي في مايو لهذه السنة في مؤتمر الأعمال والمناخ في باريس، كما ذكرته الصحف المحلية، وأتمنى أن نتفهم ما يقصده أكبر مخضرم نفطي في بلدنا.