عنوان هذا المقال هو الرقم الذي ظهر للوحة السيارة المفخخة التي كان يقودها الإرهابي المنتمي لتنظيم القاعدة عبدالعزيز المديهش، الذي قام بتفجير نفسه أمام مبنى الأمن العام في الرياض عام 2004، والتي ظهرت في الفيلم الوثائقي الذي عُرض قبل أيام على قناة العربية في 3 حلقات، استعرضت فيه وثائق وفيديوهات سرية، تعرض للمرة الأولى، وتظهر بعض خفايا تنظيم القاعدة الإرهابي في المملكة خلال السنوات الماضية. وثق البرنامج التسجيلات من أرشيف الإرهابيين التي حصل عليها الأمن العام خلال المداهمات والعمليات الأمنية التي امتدت خلال الفترة من بعد هجمات سبتمبر، مع تعليقات ومداخلات لمسؤولين من مختلف الجهات الأمنية في مختلف المناطق من الذين شهدوا وعاصروا تلك الأحداث. وجاء هذا المقطع لاستخدام اللوحة الافتراضية التي ابتكرها هؤلاء الإرهابيون لمركبتهم وأحدهم يضعها على وجهه ويمد يديه في الفراغ، كأنه يستقبل أو يبحث عن الحوريات الموعودات بعد قتلهم للناس.

يُظهر هذا الجزء من ذلك الوثائقي الذي حظي باهتمام ومتابعة كبيرة من مختلف الشرائح في المجتمع أحد الجوانب المظلمة والمخجلة التي يرتكز عليها العمل الجهادي لدى المنظمات الإرهابية -كالقاعدة وداعش ومن شابهها - والذي يقوم على الوعد بالحور العين في الجنة اللاتي يصور لهم منظروهم وفقهاؤهم أنهن بهذا العدد القابل للزيادة ينتظرن أي قادم إليهم هلكت روحه وتناثرت أشلاؤه بفعل تفجير أو قتل من يتخذونهم أعداء ويسمونهم بالكفرة والصليبيين! 

الهوس بالحور العين واختزال الجنة فيهن وفي وصف حسنهن الطاغي ووقوفهن في خضوع لتلبية طلب وملذات صاحبهن الجنسية؛ صورة رسمها بالفعل كثير من الدعاة في أذهان الشباب، وبالغوا في الوصف والوعد واعتبارهن المكافأة الأكبر للشهادة في سبيل الله، تلك الشهادة التي اتخذها الإرهابيون سبيلا لاستباحة كل من يخالف فكرهم ونظامهم، وزعموا بها قتال من يخالف الإسلام والانتصار لله ولدينه بين الناس، فنجد آلاف الفتاوى المنتشرة اليوم تتحدث عن نعيم الجنة المختزل بالحور، وعشرات التسجيلات التي يصف فيها البعض نعيم الحور بطرق مبتذلة ومخجلة أمام جمهور من الرجال أغلبه من صغار السن. وشاهدنا تسجيلات وصورا وقصصا لبعض الإرهابيين من مختلف التنظيمات الجهادية انتشرت عبر الإنترنت في السنوات الماضية يستعد فيها الإرهابي المقبل على تفجير نفسه للحور بلباس أبيض ويبالغ في التزين والتعطر، وما رافق ذلك من قصص تنافي العلم والعقل، وبشارات يسوقها مؤيدوهم وأصحابهم عن رؤية أولئك الهالكين تحفهم الحوريات!

هذا الهوس بالحور المتخيلات في الجنة ما هو إلا انعكاس للهوس بالنساء في الواقع، والذي يظهر كما نراه جليا في كثرة الاختلاف والجدل التي تثيرها قضايا المرأة لدينا، والتي تنعكس في صور من التضييق الاجتماعي والحصار والشكوك، وتغليب سوء الظن في التعامل مع المرأة، بل ووصفها بالفتنة والعورة. وهذا أدى إلى ظهور قضايا اجتماعية كثيرة يحكمها العرف والعادة ترسخت في ذهن المجتمع وأصبحت تفكيرا جمعيا يؤمن به النساء قبل الرجال، يعاد طرحها ونقاشها كل وقت دون ملل ودون حسم للمنطق والعقل فيها، كقضايا قيادة السيارة، والابتعاث للخارج، والاختلاط في الداخل، وعمل المرأة في مجالات جديدة، ولبس المرأة وعباءتها وغيرها من الأمور التي أشبعت طرحا ونقاشا دون جدوى.

اعتبار المرأة مشكلة في الدنيا ومكافأة في الآخرة وحصر وجودها في الدنيا والآخرة لأجل الرجل فقط يدل على خلل وظيفي في التفكير، يؤدي إلى ممارسة أمور خاطئة ومنحرفة، خصوصا من أولئك الذين يوجد لديهم استعداد للاضطراب النفسي، والذي قد يؤدي إلى تعرضهم لأي نوع من الإثارة لعمل أي فعل شاذ تجاه النساء أو تجاه المجتمع وأنفسهم قد يأتي على صورة قذف أو تحرش أو قتل وانتحار وتفجير للنفس.

إن الحياة المتزنة والسوية القائمة بشكل طبيعي بين الرجل والمرأة في التعامل والتعاطي والشراكة لن تجعل من أحدهما للآخر موضع هوس وقضية جدلية ربما تقوم عليها حياته وتنتهي، وقد تُنهي حياة آخرين معها. الوصول إلى هذا الاتزان لن يتأتى لمجتمع علاقة الجنسين فيه مضطربة؛ إلا عبر الخطاب الديني نفسه الذي جعلها متأزمة. وذلك بتصحيح المفاهيم عن حقيقة الجهاد في سبيل الله وعن السياق التاريخي الذي فُرضت فيه بعض الأمور والتي لا يصح تعميمها على بقية الأزمنة. وإعادة طرح قضية الحور العين بتفسير منطقي يأتي على كافة التفسيرات المحتملة لها التي اتسع لها الاجتهاد في تفسير القرآن المعاصر. والأهم من هذا حل الإشكال الجدلي بين علاقة المرأة والرجل في مجتمعنا، وتخليصها من لوثات "الصحوة" التي شوهت كثيرا السياق الطبيعي للحياة.