تُعقد يومَ السبت القادم 1 ربيع الأول 1437هـ (12 ديسمبر)، أهمُّ جولة للانتخابات البلدية في تاريخ المملكة الحديث، وإن لم تكن أوّلَها. مما يزيدها أهميةً انعقادُها في ظل ظروف سياسية إقليمية دقيقة، فالقوات السعودية مرابطة على الحدود مع اليمن، وقوات الأمن تسهر على درء خطر الإرهاب الذي عاث فساداً في المنطقة، والمعارك تحتدُّ في دول الجوار في صراع مصيري. ومع ذلك فقد أصرت الجهات المختصة على عقد هذه الانتخابات في موعدها.

هناك حرص واضح من القائمين على الانتخابات على أن تكون حرة ونزيهة، ممثلة لرأي الناخب السعودي باستقلالية، خارج نطاق التأثيرات السلبية، وعادلة بين المرشحين. ويشير الزخمُ الإعلاميُّ والاهتمام الشعبي اللذان صاحبا هذه الجولة إلى اهتمام شعبي يفوقُ ما رأيناه في الجولات السابقة، وهما مؤشران إلى زيادة في نضوج التجربة الانتخابية من جهةٍ، وإلى تطلّع المواطنين والمواطنات إلى أن تخدمهم المجالس البلدية التي ستنتخب يوم السبت بأفضل خدمة سابقاتُها.

في عام 2004، بدأ اهتمام السعوديين بالانتخابات البلدية التي عُقدت جولتها الأولى بالفعل في 2005، وكان عقدها في حد ذاته إنجازاً بالنظر إلى محدودية الخبرة لدى الجهات المنظمة والمرشحين والناخبين على حد سواء، وعلى الرغم من الجهود التي بُذلت لتدريب المرشحين على الحملات الانتخابات، فقد شاب تلك الانتخابات تجاوزات من قبل بعض المرشحين فيما يتعلق بالدعاية وإرسال الرسائل النصية على الهواتف الجوالة بطريقة غير نظامية، وتوظيف العوامل القبلية والدينية في الدعاية الانتخابية.

وتحمّست المرأة السعودية من مناطق المملكة المختلفة للمشاركة في الانتخابات البلدية منذ الجولة الأولى، وانخرط الكثيرات منهن في التهيئة لها وشاركن في دورات التدريب، ولكن مشاركتها لم تتحقق في الجولة الأولى أو الجولة الثانية التي عقدت في 2010.

وكانت الجولة الثانية خاصة مصحوبة بعدم اهتمام من قبل المواطنين، بسبب عدم رضاهم عن أداء المجالس التي انتخبت في الجولة الأولى، وهو ما انعكس على انخفاض عدد المسجلين الجدد في الجولة الثانية وعدد الذين قاموا بالتصويت فيها. أما في الجولة الثالثة التي نعيش أحداثها الآن فقد تغير الوضع واستجدت الحماسة التي رأيناها في الجولة الأولى، بل زادت. وبلغ عدد الناخبين المسجلين في الانتخابات الآن، نحو 1.6 مليون ناخب وناخبة، شاملة من قاموا بالتسجيل في الدورتين الأولى والثانية وهذه الدورة، ومع ذلك فهي نسبة متواضعة -أقل من 20 % من السعوديين الذي تتجاوز أعمارهم (18) عاما- ولكن هذه النسبة ليست مستغربة، نظراً لحداثة التجربة الانتخابية. فهناك دراسات عملية كثيرة للعوامل التي تسهم في زيادة أو تقليص نسب التسجيل ونسب التصويت في الانتخابات، حيث تعاني كثير من الدول من انخفاض نسبة التسجيل للانتخابات، وانخفاض نسبة التصويت. وعلى سبيل المثال، نجد نسبة التعليم عاملا رئيسا في معظم الدول، حيث تجد في الولايات المتحدة علاقة طردية واضحة بين معدل التعليم ونسبة المشاركة في الانتخابات، بحيث تنخفض لدى محدودي التعليم وتزداد طردياً وتبلغ ذروتها بين حملة الشهادات العليا. ولكن العوامل أكثر تعقيدا من ذلك لدينا.

وقد ابتكرت دول مختلفة طرقاً عدة لزيادة نسبة المشاركة في الانتخابات، مثل جعل التسجيل إلزاميا، أو جعله مربوطا بصفة تلقائية باستخراج الهوية الوطنية، أو رخصة القيادة، أو غيرها من الوثائق. وعلى هذا النحو صدر القانون الاتحادي الأميركي (القانون الوطني لتسجيل الناخبين لعام 1993)، الذي فرض على الولايات الأميركية أن تجعل التسجيل الانتخابي مربوطاً بالوثائق المختلفة التي تصدرها الولايات، وهو قانون أسهم في زيادة نسب التسجيل.

ومع تواضع عدد الناخبين في المملكة، فإن أعداد المرشحين عالية نسبياً، إذ بلغت نحو 6 آلاف مرشح، منهم نحو 1000 (أو 17 % من الإجمالي) من النساء. ويتنافس هؤلاء المرشحون على أكثر من 2100 مقعد، أي بمعدل نحو 3 متنافسين أو متنافسات على كل مقعد، وهي نسبة جيدة.

المهم الآن أن يخرج الجميع للتصويت يوم السبت القادم، ويختار كل منهم مرشحيه بعناية، فالعملية الانتخابية مجرد مقدمة للعمل المهم، وهو عمل المجالس البلدية في الإشراف والرقابة والمتابعة، والإسهام بشكل عام في عمل البلديات والأمانات.

ليس هناك ما يثير حماسة المواطن السعودي أو المواطنة مثل أداء البلديات والمجالس البلدية، فهي تمس حياته اليومية: نظافة حيه، وحُسن تخطيطه، ووجود الحدائق والمرافق فيه، وجمال منظره، وسلامة شوارعه وممراته، وملاءمة الظروف الصحية والبيئية فيه.. إلى غير ذلك من الاهتمامات الملحة.

يقع اللوم دائماً على البلديات في أي قصور، حتى حين لا تكون مسؤولة عن بعض تلك الأمور. ولكن في بلد مترامي الأطراف مثل المملكة لا تستطيع البلديات أن تقوم بالعمل كاملاً بنفسها، بل تحتاج إلى دعم المواطنين والمواطنات، مباشرة أو من خلال المجالس البلدية. ولذلك فإن الانتخابات ستعطي المواطن والمواطنة السعودية دوراً فاعلاً في العمل البلدي. ولذلك فإن المجالس البلدية ستوفر مجالاً للمواطن للحديث عن همومه، ومطالبة ممثليه الذين انتخبهم بإيصالها إلى صانعي القرار، ومتابعة تنفيذها، والرقابة والإشراف وتقديم المشورة والنصح لإحداث تحول حقيقي في مظهر المدن والبلدات السعودية.

وهذا ما يجعل انتخابات يوم السبت القادم حدثا تاريخيا يجب علينا جميعا المشاركة في صنعه.