إذا كان المجتمع السعودي قد احتاج إلى تفعيل الحوار بين أطيافه في وقت سابق فهو أشد حاجة إلى ذلك الآن في مرحلة تطورت فيها المنابر وقنوات وأشكال التواصل، وبتنا في حاجة ماسة إلى التأكيد على قبول الطرف الآخر، والتعايش بين جميع الأطياف رغم اختلافاتهم تحت سماء وطن يحبهم ويحبونه، يجمعهم تحت ظله من دون أن تفرقهم أي اختلافات أياً كان نوعها.

نحتاج إلى أن يكون الحوار بين الأطياف والتيارات في كافة المجالات ممتداً ومؤثراً طوال العام، وألا يقتصر على "حوار المناسبات" أو "اجتماعات الفنادق" أو "المؤتمرات"، وألا يختتم بتقديم تقرير سنوي فقط! بل يجب أن يكون هناك استغلال لكل فرصة في كل مكان لتبني لغة الحوار الهادف والمؤثر، ولزرعها كثقافة داخل المجتمع.

ومن وجهة نظري لم يوفق مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في تحقيق كثير من الأهداف التي يصبو إليها رغم الجهد الكبير الذي بذله على الصعيدين المحلي والدولي، فعلى رغم الكثير من البرامج التي أقامها في السعودية والتي شهدت حواراً أو سجالاً بين تيارات وأطياف مختلفة إلا أنها محدودة النطاق والتأثير، لم تصل إلى مرحلة تأسيس لغة الحوار، لأنها ركزت على الثمار ولم تبذل قصارى جهدها في التأسيس، ويبدو أن الثمار "الفاسدة" حوارياً هي من جعلته يركز على علاجها بحثاً عن نتائج سريعة تجعل هذه "الثمار" صالحة للاستهلاك الوطني.

أتساءل: ما الذي قدمه المركز في مجال تنمية لغة الحوار بين النشء، وما هي البرامج التي تعاون فيها مع وزارة التعليم، ولماذا ابتعدت جهوده عن هذا الخط الهام الذي ربما يكون النقطة الأولى من أجل العمل بشكل استراتيجي في تحقيق أهدافه ولو على الأمد الطويل؟ فالنجاح ليس مؤشرات رقمية توضع في التقارير بل إنجازات تبقى في ذاكرة الوطن وخدمته.

النقطة الثانية التي أتساءل عنها هي: لماذا لم يخرج المركز من تحت قبب الفنادق والمؤتمرات والملتقيات التي أقامها في مختلف أرجاء الوطن، أين حملات التوعية المقروءة والمسموعة والمتلفزة؟ لماذا لم يتم استغلال القنوات التلفزيونية السعودية الموجهة إلى الداخل في برامج تسعى إلى خدمة أهداف المركز وتوجهاته؟ ماذا عن القنوات الإذاعية؟

أعتقد أن هناك أدوات كثيرة من الممكن أن يفعلها المركز لينجح في تعديل وتطوير وتنمية لغة الحوار لدى أفراد المجتمع، ولا بد له أن يتحرك سريعاً ويلعب دوره بالشكل المأمول وإلا فإن قطار "الحوار" لن يتوقف في محطاته، بل سيتجاوزه النشء والشباب وهم المستهدفون في محطات الترفيه وضياع الأوقات وربما أكثر مما لا نرغب فيه ونتمناه.

في هذه المرحلة يجب أن يعمل مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني على مسارين متواليين، خصوصا أنه أمام مهمة وطنيه تاريخية، الأول: أن يواصل جهوده ولكن بشكل أكثر تأثيراً وأن يستغل كل منبر وكل فرصة وكل إمكانية لتعزيز الحوار وتطويره بين أفراد المجتمع عبر برامج مستدامة وطويلة الأمد، أما المسار الثاني: فهو النشء وصغار السن والذين يجب أن نغرس فيهم تقبل الآخر، وأن نمنحهم كل أدوات الحوار ليتعلموا الحوار لغة ومفهوماً وفكراً.