ليست المرة الأولى التي أتطرق فيها للإرهاب، ولا أعتقد أنها ستكون الأخيرة، فالأمر خطير ويتطلب تكثيف الجهود، إذ لا يمكن لنا ممارسة حياتنا اليومية بكل ما فيها من فرح واستقرار وألم إلا ويظهر أمامنا الإرهاب بأنيابه الحادة.
الإرهاب أصبح اليوم في كل مكان، فقد يكون أمامك أو بجانبك أو في داخلك، وهو ليس عدو الآخر، بل هو عدوك وعدو أولادك وعدو بلادك، بل هو قبل هذا وذاك عدو ديننا الحنيف، يلحق الضرر به بشكل مخيف، ولا يتورع عن ذلك قيد أنملة.
فأنت تجد الإرهاب هذه الأيام وأنت نائم أو مع أسرتك أو أثناء ممارسة عملك اليومي، أو حتى وأنت متوجه لأداء الصلاة في المسجد الملاصق لبيتك، فلم تعد لهؤلاء مناطق محظورة، فهم يستهدفون كل قطاعات المجتمع دون استثناء، بل وصلت بهم الوحشية أن استباحوا دماء أقاربهم ووالديهم! وكيف لا يكونون كذلك والغدر من شيمهم.
ولنعيش بسلام.. وليعيش أبناؤنا وأحفادنا في أمان، ولتبقى بلادنا منارة للأمن والسلام لا بد أن نقضي على هذا الإرهاب، بوسائل فكرية وهي مستحيلة مع الأسف مع الفئة الباغية التي مارست الإرهاب وحرضت عليه، فهؤلاء لا ينفع معهم إلا الاستئصال والبتر، أما شبابنا المغرر بهم الذين اعتقدوا جهلا منهم أن الخوارج أبطال يحمون الدين، والدين بريء منهم براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام، فالأمل ما زال عالقا بهم، والتجربة أثبتت أن تغيير مسارهم ممكن إن شاء الله تعالى، فبحسب ما وصلني من مصدر رفيع نجح برنامج "المناصحة" المعتمد في بلادنا بشكل كبير، وقد عاد كثير من أبنائنا ممن شملتهم المناصحة ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي، بل بعضهم أصبح من المتميزين في مجال تخصصهم العلمي والعملي والاجتماعي.
وبما أني أعمل في مجال التدريس وأقابل -بحمد الله- فئة من بناتنا الشابات بشكل دوري أدرك أن جزءا أساسيا من علاج ما نحن فيه يمكن أن يتم على أيدي أبنائنا وبناتنا، لعدة أسباب، منها أنهم يمثلون كثافة سكانية تصل إلى ما يزيد على 75 % من السكان، كما أن خطابهم أو المفردات اللغوية التي يتداولونها مختلفة بعض الشيء عما اعتدنا تداوله، ثانيا: هم الأقدر على توجيه الخطاب لمن هم دونهم، ومن هم من جيلهم.. والنقطة المهمة أن أبناءنا وبناتنا وتقوية ثقتهم في أنفسهم ستصب في مصلحة البلاد عاجلا غير آجل. لنستقطب المميزين من أبنائنا وبناتنا، ونقوّ جانبهم مع الاهتمام بمن هم دونهم، لينتهي الأمر بهم جميعا إلى أن يكونوا أفضل مما نحن عليه.
علينا مواجهة أمر هام، فنحن الماضي وهم المستقبل، وتركهم جانبا دون تكليفهم بمهام كبيرة وضع خطير للغاية، علينا ونحن في قوانا الاهتمام بالشباب وتكليفهم بمهام كبرى ومراقبتهم عن قرب أو عن بعد، وتوجيههم إذا لزم الأمر دون المساس بثقتهم بأنفسهم. فمن المفيد جدا رؤية تصرفاتهم وقراراتهم ونحن على قيد الحياة ممتلكو القوى، قادرون على مراجعة ما استلزم من أمور معهم.
ولا بد أن نحمد الله، فلدينا جهاز أمني وعسكري يعتد به، وقادر على أن يتصرف بحزم، كما هو قادر على التعامل بعفو، قادر على أن يوقع بالمجرمين، وعلى إنقاذ الضعفاء المغلوبين على أمرهم والمغرر بهم بإذن الله.
ومن جانب آخر لو كان الأمر بيدي لطالبت المدارس والجامعات بتقديم نشاط لاصفي وبشكل دوري يشارك فيه كل الطلاب، وبشكل بارز يوضح هذا النشاط آفة الإرهاب، ويباشرون الحديث عنه مباشرة مع أمثالهم من الطلبة والطالبات، بعد إعداد مسبق مع معلمين نالوا تدريبا من جهات الاختصاص، واختيار هؤلاء المعلمين لا يمكن أن يكون بشكل اعتباطي، فلا بد أن يتم اختيارهم بعد مشاركتهم في ورش عمل تنتهي باختيار المؤهل عقليا ونفسيا واجتماعيا بطبيعة الحال.
الأمر الآخر يتعلق بأمر سبق أن تطرقت إليه في أكثر من مقال، فأنا أتطلع إلى تسريع تنفيذ حد الحرابة على كل من تجرأ ومس أمن هذه البلاد، فتطبيق حد الحرابة بشكل عاجل على من سولت له نفسه التعرض لأمن البلاد حكومة وشعبا سيكون له دور فاعل إن شاء الله في القضاء على نشاط هؤلاء الخوارج.
إن القضاء على الإرهاب أهم إنجاز يمكن أن نتطلع إليه اليوم وغدا وبعد غد.. وكما قضينا على "القاعدة" بفضل الله ثم السياسة التي اعتمدها الأمير نايف بن عبدالعزيز ـ رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته ـ، فنحن قادرون إن شاء الله على القضاء على الإرهاب بكافة أشكاله، وعلى تطهير ديننا مما يحاول هؤلاء الخوارج إلحاقه به، كما نستطيع خدمة الحجاج والمعتمرين وضمان تحقيق التنمية بكافة أشكالها الأمنية والاجتماعية والاقتصادية.