في أحد استطلاعات الرأي الأميركية التي أجراها معهد واشنطن -وقد نشر في الصحف قبل فترة- أن أكثر من 90 % من المجتمع السعودي لا يؤيدون داعش، أو هم يكرهون هذا التنظيم، في حين جاءت نسبة أقل من ذلك وصلت أكثر من 80 % ينظرون إلى تنظيم حزب الله نظرة سلبية، ونتيجة الاستفتاء قد تكون مفاجئة للغرب كون غالبية المجتمع السعودي ينتمي إلى المذهب السني، وهو نفس المذهب الذي يدعي داعش أنه ينتمي إليه، في حين أن تنظيم حزب الله ينتمي إلى المذهب الشيعي، ونسبة السعوديين الشيعة أقل بالنسبة للسنة في السعودية، وربما كان أحد أسباب المفاجأة أيضا أن إحصاءات المنخرطين في تنظيم داعش كان عدد كبير منهم من السعودية، حيث جاؤوا في المرتبة الثانية بعد عدد حاملي الجنسية التونسية.

النتيجة بهذا الشكل كانت فعلا مفاجأة للرأي العام، سواء كان رأيا غربيا أو محليا للأسباب التي ذكرت سابقا، كما أن مفاجأتها تكمن في أن الرأي العام العالمي كان بمزاجيته يضع السعودية في خانة تأييد التنظيمات الجهادية منذ مدة، وكثيرا ما تكررت هذه اللهجة الحادة تجاه السعودية، لكنها تعود وتخبو لعدم الأدلة على ذلك، وليست في الأخير إلا آراء لا تثبت عند الفحص، وهذا الاستطلاع يؤيد عدم دقة أو مجانية إطلاق الأحكام العامة من غير أدلة، لكن أيضا تبقى هذه الاستطلاعات محدودة التوسع ومن الصعب قياس عينات مهما كثرت نسبة الذين جرى عليهم الاستطلاع لكونهم يمثلون نسبة قليلة جدا من مجموع المجتمع السعودي المختلف في أهوائه وآرائه وتطلعاته وتوجهاته، أو لأسباب أخرى اجتماعية وثقافية وأمنية وسلوكية قد لا تعطي مثل هذه الاستطلاعات الدقة العالية في النسبة فضلا عن نوعية العينة التي جرت عليها الاستطلاعات وبيئاتهم وأفكارهم والجهات الداعمة وغيرها، إذ كلها تعطي نسبة غير دقيقة على الرغم من صحة البيانات والعمل عليها، ولذلك فإني أرى أن النسبة التي تجاوزت 90 % لا تمثل المجتمع السعودي في حقيقته لأنه يستحيل قراءة توجهات المجتمع واختلافاته في ظل مؤسسات غير مستقلة بحيث تعطي العينة رأيها من غير أي تفكير في النتائج الحقيقية أو تبعات الرأي أو غيرها، حتى وإن كانت الجهة التي عملت على الاستطلاعات غربية وتحظى بنوع كبير من الاستقلالية، فالمجتمع السعودي الذي خضع للاستطلاعات لم يتعود على الاستطلاعات المستقلة أمام المؤسسات المحلية وتغلب عليه حالات التوجس الرسمي أو الديني أو الاجتماعي، لذلك تأتي الآراء في بعضها مثالية الطابع رغم أن الواقع مختلف عن ذلك، ولا أشكك هنا بالنتيجة، فهي في رأيي صادقة حسب ما وصل إلى معدي الاستطلاع، كما أنني لا أشك في صدق الموقف من داعش، بسبب أن هذا التنظيم لم يسمح أن يتعاطف معه الناس بسبب أعماله الإجرامية التي تنتشر إعلاميا في كل مكان، ولكني أفكر بما هو كامن في الأعماق الفكرية والوجدانية عند عدد كبير من المجتمع السعودي من تغييب لحس الاستقلالية الثقافية والاجتماعية والمؤسساتية، ولكن العمق الفكري والوجداني يصعب قياسه باستطلاعات الرأي المباشرة التي تهدف إلى قياس مدى التعاطف مع تنظيم أو آخر، بينما يجب الذهاب في الكشف عن المخبوء الفكري أو الأرضية الفكرية التي يقف عليها غالبية الناس، وكلمة غالبية هنا ليست دقيقة كذلك كونها تحتاج قياسا وهذا ما تستحيل معرفته، لكني هنا أفكر بالواقع السعودي اليومي الذي نعايشه ونعرفه عن قرب في كل مناحي حياتنا اليومية من مواقف يمكن حصرها تجاه المخالفين في المعتقد والمذهب والفكر والرأي والموقف من المرأة وغيرها والموقف من الأجانب، أو الموقف من التصورات تجاه المجتمعات الأخرى، وهي تصورات تكاد تكون ضدية وسلبية تعزز أحيانا بالأدلة الدينية والمواقف السياسية التي تزيد الهوة أكثر مما تحد منها.

المسألة في رأيي ليست الموقف من التنظيمات على اختلافها، وإنما الموقف الفكري من الأصول الفكرية والدينية التي تنتظم في الذهنية العامة التي تعتمد عليها التنظيمات في بناء منظمتها، إذ يصعب سواء في المذهب السني أو المذهب الشيعي نقد أو مناقشة مفاهيم كالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومواقف التكفير للمذاهب الأخرى ومفهوم الحلال والحرام والرأي المختلف حولها، أو الموقف من الحرية أو حرية التعبير أو حرية المعتقد أو الديمقراطية والعلمانية والتفسيق والتبديع وغيرها من القضايا التي لا نجد كثيرا اختلافا بين فهم هذه الأصول الدينية أو الأفكار والتنظيمات الإسلامية المختلفة، وبرأيي أن الاستطلاعات لو اتجهت في معرفة ومناقشة الأصول والجذور أكثر من الاستطلاعات المباشرة لربما رأينا اختلافا في النسبة عن النسبة التي ظهرت تجاه تنظيم داعش ومدى كراهية مجتمعنا له، وأكاد أجزم أن عددا كبيرا من المجتمع لا يعي هذه المنطقة المشتركة لكونها إشكالية مما يمكن أن يقود إلى ما يسميه أستاذ علم الاجتماع المعرفي الدكتور عبدالسلام الوايل بـ"القابلية للاستدعاش"، وكثيرا ما صرح عدد من الكتاب السعوديين وغير السعوديين بضرورة تجديد الخطاب الديني لكون الآليات المعرفية بين المجتمعات الإسلامية وتلك التنظيمات المسلحة تقف جميعها على أرضية فكرية واحدة ومتقاربة في بعض أشكالها، وتختلف في مسائل تطبيقها على الأرض في حين تقف بعضها موقف التأجيل إلى التمكين، وقليل من تلك المجتمعات الإسلامية التي استطاعت المزاوجة بين الحداثة والإسلام أو قدمت صورة جديدة عن إسلام حضاري يختلف عن تصورات الإسلام التقليدي الذي تعتمد عليه غالبية المجمعات الإسلامية.