تصدعت القبيلة وتجاهلتها النخبة القبلية والعسكرية والسياسية في الجغرافيا الزيدية، وعزل أبناء القبائل من الفوائد التي راكمتها النخبة من الدولة والريع الخارجي، فأصبحت مناطق القبائل تعاني من فراغ في النفوذ وهذا سهل للحركة الحوثية التوسع والانتشار، ومع الاحتجاجات التي ولدتها التناقضات بين القوى المهيمنة على الحكم؛ انقسمت الأطراف التي ظلت ماسكة بزمام أمر الدولة وتمكنت القوى الأخرى التي تمثل الجغرافيات الأخرى في محافظات الوسط والجنوب من بناء تحالفات عبر التكوينات الحزبية ومنظمات المجتمع المدني والتجار، وشكلت كتلة معارضة قوية لنظام الرئيس السابق صالح أو تحالفت مع المعترضين من داخل النظام الذي انقسم على نفسه، ووجدت الحوثية نفسها في ساحات الاحتجاجات تتحرك باتجاهين: اتجاه معلن متحالف مع الكتلة المحتجة في الساحات، واتجاه غير معلن ظل مرتبطا بصالح ومرتكزات قوته. وتمكنت الحوثية من تقوية نفسها في العمل المدني وبنت تحالفات واخترقت كثيرا من التكوينات المحتجة وبالذات المستقلة، وأيضا المعترضة على هيمنة تيار الإخوان على الساحات.

ما يهم في الأمر أن الحراك السياسي غير تركيبة القوة وأضعف الهيمنة التي فرضتها الجمهورية لصالح الجغرافيا الزيدية، وبالذات قبيلة حاشد، وظل النخبة الزيدية منقسمة على نفسها بين التيار القبلي العسكري وتيار الفقهاء والنخب الهاشمية التي ظلت تعتقد أنها مهمشة، وكانت النخبة الزيدية غير المؤدلجة والتي رأت أنه تم إقصاؤها لصالح التيار الإخواني ولتكوينات المؤتمر الشعبي العام غير قادرة على التأثير في القرار، وحاول بعضهم التحرك عبر الظاهرة الحزبية إلا أنهم فشلوا فشلا ذريعا وتولدت لديهم قناعة أنهم بحاجة إلى حركة دينية متطرفة مؤدلجة مرتبطة بممول كي تلم شتات الانتهازيات التي أدت إلى تصدع القبيلة وضعف النخبة الهاشمية التي حكمتها عبر مئات السنين.

فانبعاث حركة دينية مؤدلجة بوجه مذهبي فاقع كان مخططا له لتفعيل الكراهية والإقصاء ومقاومة الاختراقات الدينية المذهبية التي تم النظر إليها كانحراف عن طبيعة التاريخ المذهبي لمناطق القبائل في شمال الشمال، والذي أفقد النخبة الهاشمية هيمنتها السياسية لصالح الشيخ والعسكري الجديد الذي أنتجته الجمهورية. وبعد أن بنت الذراع العسكري والجهاز والأيدولوجيا والجناح السياسي والإعلامي وأصبحت الحوثية تكوينا ذا تأثير وله امتداد خارج جغرافيا القبائل؛ تم الحسم وبدأت تصفية الجغرافيا، ووقع الجميع بما في ذلك العسكري والشيخ في الفخ وأصبحت جغرافيا محرم الاقتراب منها، ولم تكن النزعة الاصطفائية الدينية التي أسس لها حسين الحوثي إلا التجلي الأعلى لوعي القبيلة التاريخي وما كان لها أن تظهر إلا بالمذهب، فالقبيلة منقسمة على نفسها وأصابها التفكك وأصبحت كتلة مشتتة تتآكل من الداخل، ومصابة بزعامات متنازعة وشوهتها مصالح الأقلية التي هيمنت على مداخل القوة، مما فاقم إشكالية القبيلة وخوفها من أن العصبية التي حكمت الدولة قبل الجمهورية أصابها الترهل ولم يعد لديها جامع غير شتات سياسي متناثر في تكوينات متعددة، وهذا الأمر يحتاج إلى فعل يلملم الهاشمية التي لا يمكنها أن تعيد بعث نفسها إلا بتحفيز القبيلة، فكان الخيار المذهبي طريقا لإعادة تركيز السلطة وإنتاج تاريخها عبر فاعلية ثورية مسلحة في بداية الأمر لتنظيف البيت وكسر شوكة الانفعالات الثورية الأخرى التي تستهدف بشكل مباشر الهيمنة التاريخية للجغرافيا الزيدية والتي يتم إعادة تركيزها لدى امتداد الكتل التي حفظت وحمت الإمامة الزيدية، فقط كانت هذه القوى بحاجة إلى ريع خارجي والتحرك في تناقضات الإقليم، وتمكنت الحوثية بالاستناد إلى خبرة حزب الله اللبناني وباحتراف في تزوير البيئة القبلية والامتدادات الهاشمية في الجغرافيا السنية بأيدولوجيا دينية؛ تشتغل بوعي تقليدي صلب، يجمع بين غرور القبيلي المقاتل في مسيرة دينية ويعاني من جوع وشبق للغنيمة وعنجهية العقيدة الاصطفائية، مع احتراف في إتقان الدعاية في أوساط شعبية تعاني من الجهل وضمور العقل وتعاني من مظالم كثيرة، وهي دعاية تشبه تلك التي احترفتها الحركات السياسية الشيوعية!