عندما كانت جثث الضحايا الأبرياء ممددة في شوارع باريس نتيجة الهجمات الإرهابية، شرع عملاء وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) في استثمار الخوف والغضب لتنفيذ أجندتهم السياسية التي لا يتخلون عنها أبداً. وألقوا باللوم في حدوث هذه الجريمة النكراء ليس على تنظيم "داعش"، بل على خصوم غير مرئيين، مثل تقنيات تشفير الإنترنت وسياسات شركات "وادي السيليكون" فيما يتعلق بحماية الخصوصيات الشخصية، وأيضاً على الجاسوس إدوارد سنودن.
ولا تخلو لعبة إلقاء اللوم على الآخرين التي تتبعها وكالة المخابرات المركزية، من خداع وتضليل. وحتى الآن لا يتوافر أي دليل يؤكد أن إرهابيي حادث باريس قد استخدموا الإنترنت للتخطيط لهجماتهم، ولا لاستغلال قدراتهم على اختراق تكنولوجيا نظام التشفير. وقد بات من الواضح أن مسؤولي الوكالة قد اختلقوا هذه الحجج.
ويمكن القول على أقل تقدير، إن منفذي هجوم باريس رسموا خططهم من خلال التقاء بعضهم وجهاً لوجه. وأما الزعم الذي أطلقته حملة وكالة المخابرات المركزية بأن عدم كفاءة نظام تشفير الإنترنت ساعد المهاجمين على تعطيل نظام التعقب والاكتشاف، فلا أساس له من الصحة على الإطلاق.
وحتى لو تمكن المهاجمون من استغلال قصور نظام التشفير، فما الذي يعنيه هذا؟ وهل أصبحنا على يقين من أنه لا يمكن لأي اتصال بين البشر أن يتم دون أن تتمكن الحكومة الأميركية من مراقبته؟ وحتى نجنّب كلا من "سي آي إيه" ومكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي" عواقب البحث العبثي في الظلام لكشف خطط الإرهابيين التي تم إعدادها على المستوى الشخصي، هل يتحتم علينا أن نزرع أجهزة المراقبة في كل بيت وكل غرفة، بحيث يمكن تفعيلها بشكل آلي بمجرد شروع شخص ما في التخطيط لعملية إرهابية؟
إن الزعم بأن إرهابيي هجمات باريس تعلموا طريقة استخدام نظام التشفير من إدوارد سنودن هو طرح مضلل إلى أبعد الحدود. وخلال سنوات عديدة سبقت ذيوع صيت سنودن، كثيراً ما كانت حكومة الولايات المتحدة تحذر بشكل متكرر من أن الإرهابيين يستخدمون وسائل بالغة التطور لاختراق النظام الأميركي للتجسس.
وكان المدير الأسبق لمكتب التحقيقات الفيدرالي، لويس فريه، قد صرح أمام فريق من نواب الكونجرس في مارس 2000 بأن "نظام التشفير غير القابل للاختراق" الذي يستخدمه إرهابيون في منظمات مختلفة مثل "حماس" و"حزب الله" و"القاعدة"، يسمح لهم بالاتصال ببعضهم لترتيب خطط تنفيذ جرائمهم دون خوف من الاختراق الخارجي.
وفي هذا الصدد، يُذكر أن صحيفة "يو إس إيه توداي" نشرت في 5 فبراير 2001 (أي قبل هجمات 11 سبتمبر الإرهابية بنحو سبعة أشهر)، تحذيراً صريحاً من أن "التنظيمات الإرهابية أصبحت تختبئ وراء أنظمة الشيفرة الخاصة بشبكة الإنترنت". واليوم، وبعد مرور 14 عاماً على نشر ذلك التحذير، تطل علينا بعض التصريحات لكبار المسؤولين بأن "نظام التشفير أصبح يمثل أداة الاستخدام اليومي للمتطرفين الإسلاميين".