قبل ثلاثة أشهر، قلت إن مشاركة المرأة السعودية في هذه الانتخابات ستكون مشاركة دلالية تؤسس للمستقبل، دون أن يكون مطلوبا منها الوصول إليه من المرة الأولى.

اليوم، وبعد إعلان القوائم النهائية للمرشحين، أجد نفسي فخورة بالمفاجأة الإيجابية التي أنجزتها المرأة السعودية بترشح 979 امرأة في هذه الانتخابات. لم يعد مهما من يفوز ومن يخسر، لكن بإعلان هذه القائمة عرفنا أن في المملكة العربية السعودية ألف نافذة إضافية تطل على المستقبل، وألف أسرة "أب وأخ وزوج وابن" تثق بالمرأة للحد الأقصى، وتؤمن بقدراتها وتدعمها في كل شيء حتى الترشح للانتخابات.

عرفنا أن هناك ألف امرأة تمتلك تلك الشجاعة النادرة، شجاعة خوض معركة صعبة بفرص فوز قليلة، وصعوبة المعركة تأتي من عوامل عدة، أولها عدم ألفة المجتمع مع موضوع الانتخابات بشكل عام، وهذا عامل سيعالجه الزمن بشكل متسارع، وبعد دورتين أو ثلاثة، وارتفاع مستوى التمثيل الانتخابي شيئا فشيئا، سيألف المجتمع هذا النوع من النشاط السياسي والاجتماعي، وسيصبح جزءا طبيعيا من حياته.

ثاني العوامل، هو عدم الثقة بقدرة المرأة بشكل عام "وهو عامل موجود بنسب متفاوتة في كل دول العالم"، وهو أوسع بالطبع في المجتمعات الشرقية، لا سيما المجتمع السعودي، وهذا العامل بدأ بالتصدع في السنوات الماضية خلال تغير وضع المرأة السعودية، ودخولها العمل والدوائر الرسمية وابتعاثها للدراسة في أرقى الجامعات العالمية، وفي اختصاصات متنوعة وعصرية، وأيضا عبر خوضها انتخابات الغرف التجارية والصناعية ونجاحها فيها.

وثالث العوامل، هو الأصوات الرافضة لمشاركة المرأة في الانتخابات من ناحية المبدأ، وهي أصوات حادة وعالية، تستعير أدلة وبراهين من الشرع ومن التراث، وتحورها وتلوي عنقها لتتطابق مع الصورة النمطية الجامدة المزروعة في عقولهم، دون أن يكون هناك مانع شرعي حقيقي بالضرورة، وهذه الأصوات ستقاتل بالطبع بطرق مختلفة لتعوق حركة التطور، وربما تنجح في إحداث بعض الإعاقة هنا وهناك، لكن حركة الزمن ستكون كافية لإضعافها شيئا فشيئا.

ألم تعترض هذه الأصوات نفسها على فكرة إجراء الانتخابات بحد ذاتها في 2005، وبأصوات أكثر خفوتا في انتخابات 2011؟ رغم أنها كانت حكرا على الرجال، واليوم أصبحت معركتها هي مشاركة المرأة وليس فكرة الانتخابات في حد ذاتها، وربما في الدورة القادمة ستكون معركتها عدم تسلم امرأة فائزة لرئاسة مجلس محلي فيه رجال منتخبون.

هذا السيناريو ليس خيالا وأمنيات، بل هو تجربة مرت بها كل شعوب العالم، ولذلك، فإن هذا النوع من التغيرات الاجتماعية يطلق عليه اسم: مسار.

فهو ليس خطوة تأتي من العدم وتجد نفسها كبيرة وناضجة، بل هو مسار يتطور ويتغير ويواجه العثرات والعقبات، ويتغلب عليها شيئا فشيئا، فلم تفز امرأة في أول انتخابات في الولايات المتحدة شاركت فيها النساء، وكذلك في فرنسا وحتى في الدول العربية القريبة، مثل مصر والعراق وسورية، ففي سورية مثلا سمح بمشاركة المرأة في الانتخابات عام 1949، ولكنها لم تفز بمقعد إلا بعد مضي 20 عاما.

تطرح بعض الناشطات نظام "الكوتا" أي تحديد حصة إلزامية للنساء في مقاعد المجالس البلدية، وهو خيار ربما يثير حفيظة المعترضين على مشاركة المرأة في الانتخابات، وربما يعدّه البعض تقليلا من شأن المرأة، واعترافا بعدم قدرتها على انتزاع مقعدها بإمكاناتها ومؤهلاتها الذاتية، وأنها ما دامت غير قادرة على كسب ثقة الناس في منطقتها، فهي غير جديرة بتمثيلهم عبر نظام الحصة "الكوتا"، وهذا رأي جدير بالنقاش، ولكن كل دول العالم مرت بهذه المرحلة، وفرضت نظام "الكوتا" لمجابهة الإقصاء وعدم التمثيل، ليس للنساء فقط، بل لشرائح اجتماعية مختلفة "مثل الأقليات العرقية في بعض الدول، والطبقات الاجتماعية الدنيا في دول أخرى" والدول الاسكندنافية المصنفة أنها الأكثر تطوراُ في العالم فرضت في البداية "كوتا" للنساء في الانتخابات، ووصلت اليوم إلى مرحلة يتساوى فيها عدد الرجال والنساء في جميع المجالس المنتخبة، وهذا يحصل بشكل تلقائي وطبيعي، بعد أن استطاعت النساء انتزاع ثقة المجتمع، وهذه هي الكلمة المفتاحية التي أرعب في قولها لأختي السعودية: انتزعي ثقة المجتمع.