ذكّرتني قضية الشاعر والفنان الفلسطيني-المقيم في المملكة- أشرف فياض بقضية الشاعر والسفير السعودي محمد فهد العيسى، التي حصلت قبل أكثر من 55 عاما، وتحدث بحرقة وألم قبيل رحيله عن هذه التهم في الإذاعة والصحافة والتلفزيون بعد أن بلغ عمرا ناهز التسعين عاما.

بدأت القصة بعد تعيين العيسى مديرا عاما لوزارة الشؤون الاجتماعية من خلال مقالات وأخبار فيها من "الشخصنة" الشيء الكثير تعرّض به وتتهمه اتهامات مبطنة بأن قصائده في دواوين شعره خارجة عن حدود الأخلاق والآداب العامة، ولكن حدة هذه الانتقادات ازدادت وتيرتها بعد صدور قرار تعيينه وكيلا لوزارة الشؤون الاجتماعية، حيث تصدى له أحمد محمد باشميل بمقالة في صحيفة عكاظ عام 1963 عنوانها "لكي لا نكون مثل بني إسرائيل"، اتهمه فيها بالكفر والزندقة والإلحاد، ثم كتب قصيدة بعنوان "إلى حماة الضلال"، واضطر العيسى-تحت الضغط- إلى نشر اعتذار عن قصائده تلك بحسب ما ذكره الأستاذ محمد القشعمي في مقاله "توبة الشعراء" بصحيفة عكاظ في العدد (4836) العام الماضي.

لكن الأمر لم يتوقف عند السجالات الصحفية، إذ أكد في حديث تلفزيوني، وفي حوار لصحيفة الجزيرة في العدد (12675)، أن الوشايات به والشكاوى ضده استمرت حتى وصل أمرها إلى الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله، الذي طلب منه ألا يباشر عمله في الوزارة وأن يبقى في بيته، بل إن العيسى حين طلب من الملك فيصل الإذن له بالسفر إلى بيروت للعلاج من عملية سابقة أجراها في القاهرة، سارعوا إلى الوشاية به عند الملك بالقول إنه هرب ولجأ إلى جمال عبدالناصر، لكن الملك أخبرهم بأن لديه علم بحقيقة الأمر، وبعد عودة العيسى إلى المملكة انتقل للعمل بوزارة الخارجية، ولكن حملات الضغط اشتدت عليه أكثر من ذي قبل، فطلب منه الملك فيصل أن يعتذر، فنشر اعتذارا في الصحافة عن الشعر الذي كتبه إلا أن ذلك لم ينهِ القضية، إذ خضع للمحاكمة بعد اعتذار قاضيين عن قبول رئاسة المحكمة بشأن قضيته، ويؤكد العيسى أن اعتذاره ذلك قد أحرج بعض المتحمسين للدفاع عنه والرد على ما أثير، ومنهم علي العمير.

أحيلت قضية العيسى إلى رئيس محكمة مكة الذي طلب منه أن يرد على باشميل، ولم يرضَ باعتذاره السابق، وقد أخبر العيسى الملك فيصل بطلب رئيس المحكمة فقال له: رد كما طلب منك. فحرر ردا مدعما بحجج شرعية وقانونية مطالبا بإقامة حد القذف على باشميل أربع مرات؛ لأنه اتهمه بالزندقة والكفر والإلحاد والزنا، وقدم الرد إلى رئيس المحكمة إلا أنه رماه في وجهه وقال: "هذا حشّ"!

ثم صدر حكم المحكمة بأن العيسى "خطر بأفكاره على الإسلام والمسلمين"، إلا أن الملك فيصل طلب منه أن يمكث في بيته، وبعد مدة طويلة عاد إلى مقر عمله في وزارة الخارجية، ثم أمر الملك بتعيينه سفيراً في موريتانيا بلد المليون شاعر، وكانت بداية عمله في المجال الدبلوماسي الذي تنقل فيه للعمل سفيرا في 6 دول عربية، وهكذا انتهت هذه الحملات "التفتيشية" الشرسة ضده، مما يدل على أنها كانت أصلا حملات كيدية غلفت بغلاف ديني واجتماعي، يقول الشاعر محمد فهد العيسى بعد هذه الرحلة المريرة: "وتقاعدت قبل سنين وكرمت في الديوان الملكي، والمطاوعة سلموا عليّ بحفاوة بالغة وقالوا: سامحنا ففي ما مضى من السنوات عملنا هذه الحملات لأن الناس الذين نقلوا إلينا غشونا فيك، تذكرت أنه كان فيه ناس يقولون لهم اعملوا كذا وهم يعملون".