النساء الأفغانيات اللاتي يتذكرن كيف كان نظام طالبان يجلدهن في الأماكن العامة لمجرد أنهن حضرن إلى السوق دون محرم منذ أقل من عقد من الزمن يراقبن بحذر مسار محادثات السلام التي تحاول حكومة حامد كرزاي أن تطلقها مع حركة طالبان.
هناك عدد قليل من النساء القياديات اللاتي يعارضن فكرة المحادثات كلها، لكن الغالبية يراقبن النساء اللاتي يمثلن المرأة في المجلس الأعلى للسلام ليروا فيما إذا كن يمثلن حقوقهن كما يجب. بعد عشر سنوات تقريبا من وضع الدستور الأفغاني والحصول على حقوق المساواة بين الرجل والمرأة، يشعر أبناء الطبقة الوسطى بالقلق من أن تدمر محادثات السلام هذه كل الإنجازات التي تم تحقيقها خلال الفترة الماضية. الخوف هو مما قد يحدث للمرأة إذا توصل الرئيس كرزاي إلى اتفاقية يتقاسم بموجبها السلطة مع حركة طالبان. في بعض المناطق التي تسيطر عليها وتديرها حركة طالبان، يتم تطبيق تفسير متشدد للشريعة الإسلامية بدلا من تطبيق القانون الوطني، فما الذي يضمن أن لا تفرض حركة طالبان هذه الأحكام المتشددة وتضعها في الدستور الحالي؟ ثم إن الأهالي يتساءلون أيضا: هل سيكون بإمكاننا إرسال بناتنا إلى المدارس في المستقبل؟
إن معظم أعضاء لجنة محادثات السلام لا يهتمون كثيرا بحقوق المرأة لأن عائلاتهم بعيدة عن هذا البلد المضطرب، في لندن أو دبي أو في مناطق آمنة أخرى. بالنسبة لهم حقوق المرأة ليست من الأولويات التي يريدون مناقشتها مع حركة طالبان في بداية المحادثات. لكن هذا الأمر يقلق الكثيرين من المهتمين بحقوق المرأة داخل أفغانستان وفي كافة أنحاء العالم أيضا. على سبيل المثال، تحدثت السيدة لارا بوش، زوجة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، تحدثت في مقابلة أجرتها معها مؤخرا قناة بي بي سي عن قلقها حول وضع المرأة في أفغانستان. قالت السيدة لارا بوش إنها قلقة على مصير الإنجازات التي حققتها المرأة خلال السنوات الأخيرة الماضية وأكدت أن السياسيين الأفغان يجب أن يحافظوا على هذه الإنجازات ويفكروا فيها خلال محادثات السلام مع حركة طالبان. الأفغان العاديون الذين يعيشون في المدن الكبيرة، مثل كابول ومزار الشريف، والناشطون والطلاب والصحفيون جميعهم يعبرون عن قلقهم بطرق مختلفة، وعلى الرئيس حامد كرزاي وممثليه في محادثات السلام أن يؤكدوا على ضمان حقوق المرأة ومشاركتها في الحياة العامة، كما يجب ضمان احترام حقوق الإنسان من قبل جميع الأطراف قبل التوصل إلى اتفاق نهائي.
في أوائل شهر أكتوبر، أعلن الرئيس كرزاي عن تأسيس مجلس أعلى للسلام يتألف من 68 عضوا لإدارة دفة المفاوضات. ويضم المجلس في عضويته ثماني نساء، ومن اللافت أنه لا توجد أي امرأة من بينهن من الشخصيات العامة المعروفة في الشارع الأفغاني. الرئيس الأفغاني حامد كرزاي أكد أن قبول الدستور الأفغاني، الذي يضمن حقوقا متساوية للمرأة والرجل، بدون تعديل شرط غير قابل للتفاوض في أي محادثات سلام مع طالبان. لكن الجميع يعرفون موقف حركة طالبان من المرأة وكيف تعاملوا معها خلال فترة حكمهم السابقة في أفغانستان.
نائب المتحدث الرسمي باسم الرئيس الأفغاني، السيد حامد إلمي، صرح في هذا الخصوص: "لقد قلنا بوضوح إننا لن نتخلى عن الدستور وعلى المعارضة أن يقبلوا الدستور. الإنجازات التي تم تحقيقها خلال السنوات التسع الماضية ـ حقوق الإنسان، حقوق المرأة ـ غير قابلة للتفاوض".
لكن النقاد يقولون إن الحقوق السياسية والاجتماعية للمرأة في أفغانستان، بما في ذلك حق التعليم، العمل، والمشاركة السياسية، تعرضت للانتهاك بشكل كبير خلال فترة حكم السيد كرزاي. ولكن من يستطيع أن يضمن أن حركة طالبان سوف لا تفرض تفسيرها المتشدد للشريعة الإسلامية في أي مكان يريدون في حال شاركوا في الحكم؟.
في المناطق الجنوبية، مثل قندهار وهلمند، والتي تسيطر عليها طالبان بشكل كبير حاليا، يعرف السكان المحليون مواقف حركة طالبان بالنسبة لظهور المرأة في الأماكن العامة. ليست هناك مدارس للفتيات في هذه المناطق ولا يجرؤ أحد على افتتاح مدرسة أو على إرسال بناته إلى مدرسة لأن ذلك يعرضهن للخطر.
بالنسبة لكثير من النساء الأفغانيات، خاصة الفقيرات والنازحات، الحديث عن الحقوق يأتي في المرتبة الثانية بعد إيجاد لقمة العيش، خاصة في المناطق التي تدور فيها المعارك. لكن الأمر يختلف عند كثير من الأفغانيات الأخريات، خاصة المثقفات منهن. قالت طالبة جامعية في كابول تعارض محادثات السلام مع طالبان تحت أي ظرف من الظروف: "نحن لا نريد ذلك النوع من السلام الذي سيجعلنا سجناء ويعيدنا إلى العصور الوسطى. نحن نريد السلام، ولكن نوعية السلام التي تأتي معها الحداثة والتطور، وإلا فإن الأفضل لنا أن نعيش دون سلام من أن نعيش في ظل الفاشية!".