أنا لا أعلم خلفية البيئة الاجتماعية ولا المنطقة الجغرافية التي نشأ فيها الزميل العزيز، شافي الوسعان، لكنني، ومثلكم جميعا، قرأت مقاله الناري الساخن في وصف بعض شيوخ القبائل. ومن أجل الحياد والإنصاف سأكتب اليوم ما أعرفه وما عشته ولامسته في تجربة حياتي مع هؤلاء المشايخ في بيئتي الاجتماعية ومنطقتي الجغرافية. أولا شيوخ القبائل لا يمنحون الجنسية ولا يسحبونها من أحد، وأنا أعرف جيدا أنهم في حذر بالغ في التدقيق على كل ورقة تعريف، ويندر جدا جدا أن يتورط أحدهم بختمه في هذا المجال رغم أننا نعيش في منطقة حدودية بالغة الكثافة السكانية وتمتد لأكثر من ألف كيلومتر. أنا لم أسمع ولم أقرأ عن قصة واحدة.
أخي شافي: أنا من هنا أدعوك إلى زيارة من ترغب من مشايخ القبائل الحقيقيين الذين تورطوا في حمل هذا الإرث القبلي أبا عن جد، لا جدد ساحة المشيخة القبلية التي اشتروها بأموال الحداثة والطفرة. ستتفاجأ معي بأن الكثير من هؤلاء يعيش كفافا. هؤلاء المشايخ الراسخون في الإرث الاجتماعي يعملون تطوعا، وبالمجان، ولا اسم لأحدهم أبدا في مسيرات المال الوطني العام. يدفعون من جيوبهم شهريا أضعاف ما ينفقونه على حياتهم وأسرهم الخاصة، فلا أعلم كيف تنطبق على هؤلاء مفردة (الإقطاع) التي تحدثت عنها في مقالك. وقد لا تعلم، أخي شافي، الحقيقة المذهلة أن بعضهم يلتمس مخصصات الضمان الاجتماعي أو يقبل بوظيفة متدنية يستحي أحيانا أن يواجه بها أفراد القبيلة.
نحن لا نتذكر هؤلاء المشايخ الحقيقيين إلا عند أزماتنا الوطنية أو مناسباتنا العامة. نريد منهم أن تكون القبيلة سدا ضد الإرهاب والجريمة والتهريب ونضعهم على رأس المسؤولية تجاه أفراد قبائلهم ونطلب منهم أن يقوموا بأدوار جوهرية في تلك الأزمات والمناسبات دون مقابل، ولو كان خطاب شكر.
أنا أعرف الكثير منهم ممن كبله إرث وتقاليد القبيلة عن الوظيفة العامة أو عن البحث عن المشروع للرزق الحلال أو الهجرة في أرض الله الواسعة طلبا لعلم أو رزق، ولم يضحوا بأنفسهم لوحدها، بل بأسرهم وأولادهم وحياتهم الخاصة. هؤلاء أخي شافي يعيشون ظروفا قاسية وصعبة في كثير من الحالات. قاموا بأدوارهم الاجتماعية الوطنية في أحلك الظروف، وللأسف الشديد، لم تتذكرهم كثير من الجهات. أخي شافي: الدعوة مفتوحة لترى الصورة من زاوية أخرى وفي مكان آخر.