في موضوع المرأة وحقوقها، هناك أمور كثيرة تثير التعجب والدهشة، وتجعل الإنسان السوي في حيرة، وعجز عن الفهم مطلقاً.
وخذ أمثلة حيّة، البعض يقول من وكّلك تتحدث باسم المرأة، لماذا لا تتركها تعبر بنفسها عن مطالبها وحقوقها؟! وكأن السائل "الذكر" جاهز ومستعد لأن يسمح "يسمح فقط" لمحارمه بالتعبير العلني والقول الذي يردنه.
وآخر يقول "هل ترضاه لأمك وأختك وزوجتك وبناتك وأخواتك؟"، وهو لا يقول هذا ليحرجك فقط ويختبر إن كانت هؤلاء النساء التابعات "لذكورتك" وسلطتك سيفعلن ما تنادي به فقط، بل ليقول: "أمّا محارمي فدونهن -ذكر– لن يسمح لهن بالتنفس!"، وثالث يقول: "ورينا محارمك واسمح لنا أن نجلس معهن، ونداعبهن!"، على اعتبار أن "الغرب الكافر!" الذي يتهمك بمحاولة "تغريب" المجتمع لأنك عميل ومأجور لهم، يسمح بأن تجلس مع أي امرأة وتداعبها، وتفعل فيها ما تريد لأنها سافرة!
وآخر، يقول: "من أنت، هل أنت عالم أو مفتٍ؟!" ولماذا لا تدع هذا الأمر لمن يسميهم "فقهاء ومفتين"، وكأن فهم الإسلام "حكر" على فئة معينة في المجتمع المسلم، وأننا يجب أن نسأل هذه الفئة حتى عن دخول المنزل هل يجوز بالرجل اليسرى أم لا بد من تقديم اليمين؟! وكأن القرآن لم ينزل لنا كلنا، بل وكأن الله -تنزه سبحانه- جعل من خلقه غير الأنبياء وسطاء بيننا وبينه، يعلموننا ماذا يريد جل وعلا أن يقول، وماذا قال، وكأنه -جل وعلا- لا يقصد النص "العربي المبين"، وإنما يقصد أمراً لا يعلمه إلاّ وسطاؤه هؤلاء!
وآخرون يحاولون أن يكونوا أكثر عقلانية، للغمغمة على حقوق المرأة، فتجد كاتباً معتبراً يقول: الدولة ستخسر بلايين الدولارات -ويحددها- بالأرقام الدقيقة، إذا سمحت بقيادة المرأة للسيارة، على اعتبار أن السماح للمرأة بقيادة سيارتها وحدها سيفضي إلى الاستغناء عن ملايين السائقين، وبالتالي تخسر الدولة رسوم الاستقدام، والإقامة، وتذاكر الطيران، وكأن المرأة ليس من "حقها" أن تقود السيارة وتستخدم، وتستقدم سائقاً إذا قدرت مالياً، مثلها مثل كثير من الرجال اليوم الذين يقودون سيارات، ولديهم سائق أو سائقون عدة!
وهناك آخرون أكثر دقة وعقلانية وهدوءاً -كما يظنون- فيكتبون ويقولون: "لدى مجتمعنا خصوصية يجب أن تحترم، وهو مجتمع لن يقبل كشف وجه المرأة، بحجابها الشرعي، ولا ذهابها إلى الملاعب، ولا الاختلاط، ولا قيادة السيارة، الآن، وهو مجتمع يحتاج إلى وقت طويل حتى يتفهم هذه الأمور ويعرف أنها مباحة له، مثلما تفهم التلفزيون والجوال، وغيره"، ومثل هؤلاء كثر وكأنك تقول، أجبروا المجتمع وألزموه بأن يفعل، ولا يفعل، ولست من أكثر المطالبين بإلحاح بإعطائه حريته المسؤولة التي أباحها الله، فمن شاء أن يأخذ بها فليأخذ، ومن شاء أن يمنعها عن نفسه فليفعل، المهم ألاّ نجبره لا شرعاً ولا نظاماً على أي من الأمرين.
وهناك من يتذرع، ويقول... ويقول... إلخ، لكن ما يدهشني هو -وهم كثر- من يختصر المسألة، ولا يورد أي حجة، ويكتفي بالقول "أنت تافه، رويبضة، لعنة الله عليك، وكل "...."، واخجل من أهلك وقبيلتك، ولا يشرفنا أن تكون منا، ونحن نتبرأ منك، وخلك في بلاويك لا نفضحك، وأنت... وأنت... إلخ"، وهؤلاء لا يشتمون ويقذفون ويتبذؤون من فراغ، بل يرون أنهم يدافعون عن الإسلام الحق، وعن المجتمع المستقيم، وأن هذا هو السبيل المختصر الأفضل لمن يرون -جهلاً أو اتباعاً للجهل- أنك تريد هدم الدين والمجتمع، وكأنهما ورقة في مهب الريح، لم يحمها منك إلاّ هؤلاء البذيئون الشتامون الكذبة -جهلاً أو عمداً لأهداف أخرى-، ويسوؤهم كشف تلك الأهداف التي لا علاقة لها بالتدين الصحيح، والحقيقة أنني لم أستغرب، ويستحيل أن أستغرب كل هذه الشتائم- فنحن فوق تحريم الفنون، وغمط بعض حقوق المرأة، لم يبق أحد من المسلمين لم نعاده -ناهيك عن أصحاب الديانات الأخرى، فالأشعرية -وهم أغلب المسلمين اليوم– والشيعة، والإسماعيلية، والزيدية، والصفوية، والإباضية، والدروز، والنصيريون، و..... و.... وغيرهم يتدرجون عندنا بين الكفر والفسوق والابتداع، و"عندنا" هذه تعني أنه لم يبق سوى قلة قليلة في المملكة –أنا منهم طبعاً– هم الفرقة الناجية التي لا يأتيها الباطل من أي جهة -وفقنا الله-".
وخلاصة القول، إن ما سمي بالصحوة -وهي في حقيقتها "الغفوة أو الغفلة"- أنتجت لنا مجتمعاً بهذا الحال، ومع الأسف حظيت بالدعم والتأييد، ولم يتبين للكل خطأ هذا الدعم والتأييد إلاّ حين بدأ القتل والتفجير في شوارعنا ومنشآتنا، ومع هذا وحتى الآن، لم نلتفت كلنا إلى هذا "الفكر العدائي الإبادي القاتل" ونتضامن لاجتثاثه من الجذور، كما فعلت أوروبا مع "الفكر النازي"، وكأننا -فعلاً- ننتظر العالم حتى يفيض به الكيل، ويجبرنا على الاجتثاث، وربنا يستر!