تظل الحرية، كقيمة، هي الباعث الأعظم على الحراك الثقافي والسياسي والاجتماعي في أي مجتمع بشري، غير أن هذا الحراك له وجوه أخرى في مجامعاتنا العربية!.
فالحرية التي هي في مفهوم الفلاسفة تعني انطلاق الإنسان نحو (الكمال) دون عوائق – كما يرى أفلاطون مثلاً – تتحول في بعض مجتمعاتنا العربية إلى انطلاق أيضاً ولكن - للأسف - هو انطلاق نحو (الانحلال)، وإلاّ فماذا يعني أن يعمل بعض المنادين بالحقوق والحريات – مثلاً – على دفع القوى الغربية للاعتداء على بلادهم بحجة جلب الحرية والديموقراطية؟!.
إن هذا الاستقواء بالآخر لا يعد مظهراً من مظاهر الحرية بأي حال من الأحوال، وإنما هو انحلال على المستوى الوطني والفكري لا يضاهيه انحلال آخر، ولكن يبدو أن هؤلاء لا يرون ما الذي صنعه هؤلاء (المحررون) بالبلاد التي احتلوها!.
وماذا يعني أيضاً أن ينادي هؤلاء الباحثون عن (الحرية) بإهدار دم التراث والعادات والتقاليد بحجة مسايرة (الحداثة) العالمية؟!.
ويا لهذه الحرية التي ينشدونها حينما يتعلق الأمر بالمرأة العربية!. تراهم وكأنهم فقدوا كل شيء: الإنسانية.. الكرامة.. الحياء.. الدين.. القيم.. إلخ، فلا يرون في الخلوة غير الشرعية حرمةً، ولا في خدش الحياء العام ملامةً، ولا في تجارة الجسد انعداماً للأخلاق قبل الحلال والحرام!.
مثل هؤلاء الناس تجدهم في مختلف مجالات الحياة، ولكن أخطرهم من يمتلك وسيلة إعلامية، أو مقعداً على شاشة التلفزيون، فيسهم إسهاماً مباشراً في بث سمومه هنا وهناك دون وازع من دين أو ضمير.
فمتى نتعلم أن الحرية التي تعتدي على حقوق الآخرين هي انحلال من شأنه أن يؤخر المجتمعات ويردها إلى عصور سحيقة من الجهل والحيوانية؟، ومتى ندرك أن مجتمعاتنا العربية محكومة بقوانين ونظم وثوابت دينية متعارف عليها قبل القوانين البشرية الحديثة التي لا تستمد شرعيتها من الكتاب والسنة أو حتى من المنظومة الأخلاقية العربية، ومن ثم فمهما تعالت أصواتهم فإنها لن تتخطى الثوابت التي يريدون هدمها بأي ثمن؟!.
وهنا ينبغي أن تُسأل وسائل الإعلام العربية التي تفرد مساحات هائلة لأصحاب هذه الرؤى المتطرفة - وليست الحرة -: بأي منطق يقتحم هؤلاء الداعون للانحلال سمعنا وبصرنا بما لا يليق دينياً وقيمياً وأخلاقياً؟!، وهل تعتقد بعض الدول التي لا ترى في آرائهم الهدامة للأخلاق حرجاً أن في سيادة ثقافة الانحلال التي يبثونها تكريساً لثباتها الأمني والسياسي؟!.
والله إنها كارثة!.