من تحت قبة مجلس الشورى، خرج التشريع القانوني الأخير بخصوص رسوم الأراضي البيضاء دون أن يحصد في التصويت عليه أغلبية مطلقة، ولهذا رفع القرار إلى ولي الأمر لحسم الاختلاف بحسب قانون وأنظمة مجلس الشورى. هذه بالضبط، هي طبيعة الشد والجذب في تكوين أي برلمان في الدنيا حين ينقسم فطرياً ما بين "العمال والمحافظين" وما بين رجال الأعمال وجوهر مصالحهم وبين النصف المقابل المتجرد من عوامل المصلحة، وعندما قرأت إضبارة "رسوم الأراضي البيضاء" أصبحت بالذهول والدهشة لأنها مجرد صفحتين من ثماني مواد يمكن ضغطها بتصغير حجم الخط إلى نصف صفحة. كل هذا "الهيلمان" يمكن اختصاره في الجملة التالية القصيرة: فرض رسم سنوي قدره 2.5 % على كل أرض داخل النطاق العمراني. وهذا يعني بالضبط أن تستوي الأرض التي كتبتها "لخلدوننا" الصغير في "الخافض اللافظ" في (مخطط الخير "9") ما بين الرياض والقصيم، وفي قلب الصحراء، مع ذات الأرض التي يقول صك حيازتها بالحرف الواحد: تمتد إلى الشرق بمسافة أربع كيلومترات وثمانمئة وستة وسبعين متراً ثم "تنكسر" إلى جهة الجنوب على الدائري الشمالي لمدينة الرياض بمسافة كيلومتر وثلاثمئة وتسعة وخمسين متراً إلى جهة الشمال..". وبمثل هذا القانون سيضطر "خلدوووننا" الصغير، وبعد عشرين سنة إلى بيع أثاث عش زوجته المحتمل كي يضيفه إلى كل قيمة الأرض لكي يدفع رسوم أرضه البيضاء بينما سيكتفي رجل الأعمال البارز بإيداع نصف قيمة أراضيه البيضاء على الدائري الشرقي لمدينة الرياض ثم يحتفل ببقية ملايين الأمتار في حسابه.

سأختم: من هو الذي أسماها بالأراضي البيضاء ثم أطلق عليها هذا الاسم النرجسي الوردي؟ أي تسمية هي تلك التي وضعت في تشريع قانوني واحد تلك المساحة الأسطورية ما بين "دوار الكرة ودوار النافورة" في مدينة جدة، مع مساحة 500 متر مربع في مخطط "الخمرة 12" حيث الليث أقرب إليها من جدة؟ والخاصة الأخيرة أن خارطة النطاق العمراني في هذا البلد يجب أن تنقسم إلى نصفين: خارطة للأراضي "السوداء" التي تنام بملايين الأمتار المربعة في خاصرة وخارطة مدننا الخمس الكبرى حين تحولت إلى مجرد "صك شرعي" بورقة واحدة في خزانة آلاف الأثرياء الذين ينتظرون دخول الألفية الثالثة للإفراج عن الصك الشرعي، وخارطة نصف آخر لبقية الآلاف الحالمين بنصف ألف متر مربع للورثة. وفي النهاية لا تزاحموا أهل "البيضاء" بنفس التشريع مع أهل "السوداء" فهناك فوارق هائلة ما بين الفريقين.