في جلسة عُقدت برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أقرّ مجلس الوزراء يومَ الاثنين الماضي (11 صفر، 23 نوفمبر 2015م) "نظام رسوم الأراضي البيضاء"، أهم تشريع اقتصادي أصدرته المملكة منذ عقود، لأنه يهدف إلى حل إحدى أعقد المعضلات الاقتصادية والاجتماعية، هي الارتفاع المستمر في أسعار الأراضي الذي جعل تملّكَ السكن بعيداً عن متناول كثير من المواطنين، خاصة الشباب.
وفي الوقت نفسه، فإن إبقاء الأراضي البيضاء دون تطوير في قلب مدن المملكة، بما يتجاوز ثُلث مساحتها في كثير من الأحيان، شوّه ملامح تلك المدن، وشجّع التمدد الأفقي، ما أدى إلى ارتفاع تكلفة الخدمات الحكومية.
و"الأراضي البيضاء" المقصودة هنا هي كل أرض فضاء مخصصة للاستخدام السكني، أو السكني التجاري، داخل حدود النطاق العمراني، حسب نص النظام. وحدود "النطاق العمراني" هي الخطوط المبينة بخرائط وثائق النطاق العمراني التي توضح مراحل التنمية العمرانية المختلفة، وحدَّ حماية التنمية، وتمثل الحدود الملائمة لتوطين الأنشطة الحضرية، واستيعاب النمو العمراني.
ويهدف النظام إلى تحقيق عدة أهداف: زيادة المعروض من الأراضي المطورة بما يحقق التوازن بين العرض والطلب، وتوفير الأراضي السكنية بأسعار مناسبة، وحماية المنافسة العادلة، ومكافحة الممارسات الاحتكارية. وستدفع هذه المنافسة شركات التطوير العقاري إلى تحسين منتجاتها لاجتذاب العملاء، بعد أن انخفضت تكلفة الأراضي التي تطورها.
وفقاً للنظام، الذي سيدخل حيّز التنفيذ بعد ستة أشهر، سيُفرض رسمٌ سنوي على مُلاك الأراضي البيضاء، من ذوي الصفة الطبيعية أو الصفة الاعتبارية غير الحكومية، بنسبة (2?5?) من قيمة الأرض. وستحدد اللائحةُ المقررُ صدورُها قريباً معاييرَ تقدير قيمة الأرض والجهةَ التي ستتولى ذلك، على أن تشمل المعاييرُ موقعَ الأرض، واستخداماتها، ونظم البناء، ومدى توافر الخدمات العامة فيها ووصول المرافق العامة إليها.
ويُقصد بـ"الخدمات العامة" هنا الخدمات الدينية والتعليمية والصحية والأمنية ونحوها؛ التي لا تشملها النسبة النظامية للتخطيط. أما "المرافق العامة" فتشير إلى شبكات الطرق والمياه والكهرباء والهاتف والصرف الصحي وتصريف السيول.
ومن المقرر أن تصدر لائحة لتنفيذ النظام بقرار من مجلس الوزراء، فكُلّفتْ وزارة الإسكان (بالتنسيق مع وزارات العدل، والمالية، والشؤون البلدية والقروية والاقتصاد والتخطيط، والتجارة والصناعة) بإعداد مسودة اللائحة، على أن تشمل البرنامجَ الزمنيّ لتطبيق الرسم بشكل تدريجي، ومعايير تحديد الأراضي التي تخضع لتطبيق الرسم، وقواعد وإجراءات تحصيله، والجهات المخولة بتحصيله، والمعايير التي يتوقف عند تحققها تطبيق الرسم. والضوابط اللازمة لضمان تطبيق الرسم بعدالة، ومنع التهرب من دفعه، وآلية تحديد مُعامل توافر الخدمات العامة للأراضي ووصول المرافق إليها، ومعايير تحديد العوائق التي تحول دون صدور التراخيص والموافقات اللازمة لتطوير الأرض أو بنائها، وتحد من إمكانية استحصال الرسم عليها.
ومن المفروض حسب النظام أن تقوم الوزارة بإنشاء قاعدة بيانات تتضمن المعلومات المتعلقة بتطبيق الرسم، ولذلك ألزم النظام ملاك الأراضي التي يُعلَن عن اعتبارها ضمن الأراضي الخاضعة للرسم بالتقدم إلى وزارة الإسكان بالوثائق والبيانات المتعلقة بأراضيهم، وذلك خلال مدة لا تتجاوز (ستة) أشهر من تاريخ الإعلان.
ومن المقرر أن تودع مبالغ الرسوم (وأي غرامات يتم فرضها) في حساب خاص لدى مؤسسة النقد العربي السعودي، يخصص للصرف على مشروعات الإسكان، وإيصال المرافق العامة إليها وتوفير الخدمات العامة فيها.
ومن الواضح أن تشريعاً بهذه الأهمية يتطلب حرصاً خاصاً في تنفيذه بما يخدم الأهداف التي أشرتُ إليها. وقد قاوم الكثيرون – بحجج مختلفة – إصدار هذا النظام. أما وقد صدر فإنهم يسعون إلى الحد من نطاق تطبيقه باقتراح بعض الاستثناءات أو تأخير تطبيقه بشكل كامل، أو تأخير تحصيل الرسوم إلى فترات لاحقة، أو استثناء المدن الصغيرة من تطبيق النظام. ويطالب البعض بأن يُطبق النظام على القطع الكبيرة فقط، التي تتجاوز (10) آلاف متر مربع مثلاً، وألا يشمل الأراضي المخصصة للاستخدامات التجارية! وغير ذلك من الاستثناءات التي قد تفرغ النظام من محتواه.
ومشكلة هذه الاستثناءات أنه يمكن التحايل عليها بسهولة، فأي استثناء يتعلق بمساحة الأرض سيمكن استغلالُه عن طريق تقسيمها بما يُعفيها من فرض الرسم عليها.
وهي استثناءات لن يكون لها مبرر إذا نجح النظام في تحقيق أهدافه، لأن الأراضي ستكون متوفرة بأسعار معقولة، ولا مبرر للاحتفاظ بها، وهو ما كان عليه العمل لمئات السنين، حين كان تملك الأرض مربوطا بالانتفاع منها أو استصلاحها، وليس للأراضي البيضاء.
وإن كان لا بد من استثناء فإنه ينبغي أن يكون مربوطاً برقم السجل المدني، وأن يكون في حدود ما يحتاجه المواطن من مساحة لسكنه فقط.
ونظراً إلى أن قيمة الرسم المفروض مربوطة بقيمة الأرض، فإن العبء الضريبي سيكون متناسباً مع قدرة المالك على الدفع، وهو معيار عدالة الضرائب. ولما كانت اللائحةُ ستضع معاييرَ لتقدير قيمة الأرض تشمل موقعَ الأرض، واستخداماتها، ومدى توافر الخدمات العامة فيها ووصول المرافق العامة إليها، فإن تقييم الأرض الذي سيُحدّد على أساسه الرسم سيكون عادلاً كذلك.
وكما نص النظام، فمن المستحسن مراجعة نتائج تنفيذه دورياً، في ضوء التطبيق الفعلي، وتعديل ما يحتاج منه إلى تعديل.