الأحوال في صناعة النشر لا تبشر بخير، الحماس الذي أغرى الجميع بالكتابة والنشر يبدو في تراجع كبير، دور نشر وناشرون محليون وعرب يبدون في حال أصعب مما كانوا عليه قبل سنوات، دخلت لدائرة النشر وصناعة الطباعة معارض جديدة وفعاليات أكثر، خفت الرقابة كثيرا وشاعت الخيارات بين الناس، ارتفع سقف المناخات الاجتماعية والسياسية لمستويات رائعة، وتعاظمت الحرية كتابة وقراءة، لكن هذا كله لم ينقذ النشر والطباعة كصناعة متكاملة ونشيطة قبل أعوام قليلة، ما الذي حدث وتغير؟ كان للتقنية دور كبير في الأمر، ألغت الرقابة وسمحت بعبور الأفكار، لا أحاول الاستعراض كثيرا في شرح ما هو مشروح أصلا، ألغت التقنية حاجز اللهفة وجدار الممنوع، فبالتالي انعدم حاجز التسويق، تضاءلت اللهفة وتقلص التشويق، اتفاقيات حماية الملكية الفكرية وقوانين الحصرية والترجمة لها دورها في المسألة، إضافة إلى عوامل تقنية بحتة كارتفاع أسعار الورق، لا أحد يمكن له التنبؤ بما سيحدث قريبا، لكن قراءة الواقع ومراقبة النشاط ستضعنا في إطار الصورة، من يطبع لا يدفع، ومن يطبع ويدفع لا يشارك في المعارض، ومن يطبع ويدفع ويشارك مهتم بارتباطاته بجهات رسمية أو شبه رسمية تضمن له البقاء والكلفة، والآن نحن في وضع التحسر على الفرصة المهدرة، كان القارئ السعودي القوة الشرائية الأولى، وكان بالإمكان أن تكون صناعة النشر السعودية القوة الأولى عربيا بعد أن انسحب الجميع، وهذا له تأثيراته الكبيرة، ثقافيا وأدبيا وسياسيا في مراحل ما، واليوم يبدو الأمر محبطا ولا إشارات لحماس جهة ما لتشجيع وإحياء الصناعة التي هي حتما مهمة، وكان لها أن تكون أكثر أهمية لو استثمرت ودعمت بشكل تستحقه.