في 19 نوفمبر الحالي، دعا رجل الأعمال الأميركي دونالد ترامب، الذي مازال يتقدم المرشحين الجمهوريين للرئاسة في استطلاعات الرأي إلى تسجيل المسلمين في الولايات المتحدة في قاعدة بيانات قومية وأن تخضع بعض المساجد إلى رقابة مشددة. وفي 21 نوفمبر، زعم ترامب أنه كان في مدينة جيرسي بولاية نيوجيرسي يوم وقوع هجمات 11 سبتمبر 2001. وقال إنه رأى آلاف المسلمين وهم يهللون فرحاً عندما رأوا برجي التجارة العالمية في نيويورك يتحولان إلى ركام. ورغم طعن وسائل الإعلام وبعض منافسيه في هذا التصريح فإن ترامب بطريقته المعتادة رفض التراجع عنه وحتى وقت كتابة هذه السطور لم يعدل من قصته التي لا يصدقها عقل.

وعلى الرغم من أن المرشحين الجمهوريين الآخرين البارزين لم يتطرفوا مثل ترامب، لكنهم انتهزوا فرصة هجمات باريس ليظهروا التزامهم بسياسة أمن قومي قوية، معتقدين أن المواطنين الأميركيين يثقون في الجمهوريين أكثر من الديموقراطيين عندما يتعلق الأمر بقضايا الدفاع عن البلاد.

والمعضلة الأساسية التي يواجهها هؤلاء الجمهوريون المصرون على جعل الهجرة والأمن القومي عنصراً محورياً في استراتيجية حملاتهم الانتخابية، هي أنه بينما تلقى أفكارهم وسط قاعدة الجناح اليميني في الحزب الجمهوري أرضاً خصبة، لكنها أكثر إثارة للجدل بكثير وسط الجمهوريين والمستقلين والأقليات المتنامية من الناخبين، ومنهم الأميركيون الذين تمتد جذورهم إلى أميركا اللاتينية "الهسبانك" والمسلمون.

والواقع أن التصريحات التي أدلى بها المرشحون منذ هجمات باريس من شبه المؤكد أنها أضعفت جاذبيتهم لدى الكتلة المحورية من الناخبين في البلاد، وهذا يحمل أنباءً سيئة للنجاح في الانتخابات الرئاسية. وللإنصاف، فإن الانتخابات ما زالت تبعد عاماً وكثير من الأحداث قد تقع من الآن وحتى نوفمبر المقبل لتغيير أولويات البلاد، ومن ثم يتغيَّر ما يحظى به المرشحون المختلفون من جاذبية.

ومن وجهة نظر الديموقراطيين فإن السيناريو الكابوسي يتمثل في وقوع هجوم إرهابي كبير في الولايات المتحدة يتمخض عن خسائر كبيرة في الأرواح. وهناك متطرفون في الولايات المتحدة مستعدون للاضطلاع بمثل هذه العمليات، والحصول على الأسلحة لا يمثل مشكلة في أولى بلاد العالم من حيث انتشار الأسلحة.

ومن حسن الحظ أن قوات مكافحة الإرهاب الأميركية كانت فاعلة بشكل كبير منذ هجمات 11 سبتمبر، وأن عدد  المتطرفين أقل بكثير من أولئك الذين عُثر عليهم في أوروبا. ورغم هذا، فإن أي حادثة في الولايات المتحدة ستمثل ذخيرة للجمهوريين الذين يتعثرون في صعوبات تفصيل سياسة واقعية للتعامل مع الأزمات الجارية في الشرق الأوسط وأوروبا.