قال الله جل وعلا: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"، وقال سبحانه: "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، وقال تعالى: "لكم دينكم ولي دين"، وقال نبينا العظيم عليه أفضل الصلاة والسلام: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وقال: "... أحاسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون".
الآيات والأحاديث في هذا السبيل لا تحصى، فالدين الإسلامي العظيم دين "الرحمة والخلق الحسن"، والمسلم الحق ليس شتاما ولا بذيئا، ولا يكذب مطلقا، و"لا يفتري ولا يغتاب، ولا يخالف النظام"، ولو أن من يسمون أنفسهم "وُعاظا ودُعاة وطلبة علم" كرسوا هذا الفهم، وهذا الفكر، وهذا الخلق بين الناس، لكنا جميعا بخير، وموضع احترام الدنيا بأسرها، لكن مع الأسف جرى -ومازال- التركيز على شكليات التدين وتكريس أفكار العداء والعنف والحذر من البشرية كلها، يهودا أو نصارى، وحتى الشيعة والأشعرية والصوفية وغيرهم من المذاهب الإسلامية التي يتبعها غالبية المسلمين في العالم، مع أن خطاب القرآن الكريم، والحديث الصحيح، في معظمه تقريبا موجه إلى كل الناس، وكل آية أو حديث يدل على العداء أو القتال، كانت له ظروف وأسباب نزول، ومناسبة، أو أن بعض تلك الأحاديث مكذوبة، أو ضعيفة ولا يعتد بها.
الإسلام العظيم الآن منتشر في العالم كله، وهو يزداد انتشارا ليس بقوة ونفوذ الدعوة إليه –ممن يزعمون– بل بعظمة أخلاق بعض المسلمين، والتجار المسلمون نشروه في إندونيسيا ومعظم دول جنوب غرب آسيا بحسن أخلاقهم، وأسلوب تعاملهم، وليس بينهم واعظ واحد.
ومساء الأربعاء الماضي، وفي "الثامنة مع داود" على قناة mbc وهو برنامج متميز ورائع، ثبت لي صدق ما أقول، فكل الذين استضافهم البرنامج من إخواننا "المسلمين الجدد" قالوا إن السبب جمال الأخلاق وعظمة التسامح في الإسلام نفسه، وبعض المسلمين، وليس كلهم، وإلاَّ لأسلم من في الأرض جميعا، ومع الأسف، وهذا ما لم يرد في البرنامج، أن معظم المحجمين عن الدخول إلى رحابة الإسلام، أو ارتدوا بعد أن دخلوا فيه بعد مغادرة بلادنا، أنهم لم يجدوا له تطبيقا صحيحا أخلاقيا، وتعاملا معهم عند كثير من المسلمين، والشواهد كثيرة، ومن شاء التأكد فليبحث في "غوغل" وسيجد ضالته ببساطة.
وأنا –شخصيا– لي تجارب مع بريطانيين، وهنود، وأميركيين، أسلموا حديثا، أو يعبرون عن نظرتهم إلى الإسلام من خلال المسلمين الذين يعرفونهم، وفي داخل المملكة، وخارجها، وكلهم –تقريبا– لم يعبر واحد منهم عن سوء ما فهموه من نصوص صحيحة عن الإسلام، سواء قرؤوها أو قلتها لهم، لكنهم غالبا يقولون: لو أن فهمنا صحيح لما كان المسلمون أنفسهم يفعلون "كذا، وكذا" مما يستنكرونه بفطرتهم الإنسانية، وتربيتهم النظامية المقننة، وكنت أحاول إقناعهم أن هناك فرقا بين الإسلام العظيم، وبين سلوك وأفعال بعض المسلمين، لكنهم كانوا -ومن خلال نصوص وصلتهم من فتاوى وخطب وقصص وتأويلات كثير ممن نسميهم "فقهاء ومفتين ووعاظ، ودعاة"- لا يجدون فيها ما يدعم فهمهم الصحيح لتسامح الإسلام وعظمة قيمه، وبالتالي لا سبيل لإقناعهم مع هذا الطوفان الجارف من التكفير والفهم العقيم للإسلام، ولي أصدقاء كثر سعوديون، ومسلمون وعرب، مروا بهذه المواقف نفسها مع هذا التكريس العقيم السائد، الذي تدعمه أفعال وأقوال وسلوكيات كثير من المسلمين، وفي بيئتنا المحلية، لن تحتاج إلى شاهد ودليل على سوء الفهم، وبذاءة الخلق أكثر، مما تقرأه من تعليقات القراء والمشاركين فيما تنشره الصحف المحلية أو عبر تويتر، بزعم الدفاع عن الإسلام والأخلاق، بكلمات تسفيه وشتم وتحقير، والعالم اليوم يقرأ هذا، بل ويقيم له الأبحاث والدراسات.
وقد أعجبني ما قاله ضيوف البرنامج المشار إليه أعلاه، من مركز دعوة الجاليات في حي "البطحاء" بالرياض، وتأكيدهم أن سلاحهم الأقوى في دعوة الجاليات هو "حسن التعامل ولطف الأخلاق"، وأنهم يركزون على تعليم "المسلمين الجدد" أركان الإسلام فقط وطريقة أدائها، وأرجو –صادقا– أن يحجبوا عنهم معظم ما يقوله "كثر من وعاظنا" ويحذرونهم أن هؤلاء الذين يكرسون العنف والغلظة وشكلانية التدين يستشهدون بما ليس صحيحا من الأحاديث، أو بفهم غير جيد للقرآن الكريم، كما أرجو أن تكون كل مكاتب دعوة الجاليات على هذا النحو، وليت هذه المكاتب بالتعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية، تقيم دورات في "حسن الخلق والتعامل الحسن" لمعظم خطباء الجوامع في المملكة، ليركزوا عليها في خطبهم، وأن تعلن ذلك في كل وسائل الإعلام لتوعية السعوديين وغيرهم، حتى يحسنوا التعامل مع بعضهم بعضا، ومع كل المقيمين في المملكة، ومن يعملون في بيوتهم أو مكاتبهم أو شركاتهم، فأحد ضيوف البرنامج أكد أن معظم من يدخلون الإسلام جاء بتأثير تعامل وأخلاق كفلائهم وكفيلاتهم.
وأخيرا، لا بد أن يفهم كل مسلم "أن المسلم هو من سلم الناس من لسانه ويده"، وبالتالي، فإن الإيمان والعبادة علاقة خاصة بين العبد وربه، ولا حق لمخلوق في التدخل أو الوصاية عليها، أو تفسير النوايا والخفايا، أما المعاملات والأخلاق وتنظيمها ومراقبتها، فهي الأهم في مضامين الأديان والشرائع وقوانين الأرض والسماء.