كنت منهمكا على جهاز الكمبيوتر، أكتب. رن هاتفي، سارعت بالرد، فالمتصل صديق أستشيره أحيانا لثقتي في سداد رأيه، كان يسألني عن شخص تعاملت معه سابقا في بداياتي المهنية، كان يسأل أسئلة محددة ومباشرة، وكانت أجوبتي أكثر تحديدا ودقة "من وجهة نظري".

مرت الأيام، واتفق صديقي مع مَن كان يسألني عنه في المحادثة الهاتفية، وتشاركا معا في مشروع تجاري، وبعدها بفترة تلقيت اتصالا من صديقي ثانيةً، لكن المكالمة هذه المرة كانت مليئة بالتشنج والشكوى والتذمر!

فالشريكان اختلفا، فتدفق المال وتوزيعه على الطرفين بدأ يزعج أحدهما، وفي خضم "فضفضة" صديقي لي فلتت منه عبارة آلمتني كثيرا! ويبدو أنه لم يكن يقصدها بالطبع، لكنها جسدت معنىً لا يمكن إغفاله، إذ قال بعصبية "هذي مجايبك"! رددت مباشرة "وأنا مالي"؟ فأخذ يُذكرني بأني قد زكيته حين سألني عنه وقلت عنه أجمل الكلام!

وهنا الكارثة، فصديقي الصدوق أخذ صورة ذهنية، وبنى عليها آلية وطريقة التعامل بناء على رأي طرف آخر، وحينها فقط تنبهت أن الانطباع "المنقول" مخاطرة قد يحاسب عليها الإنسان يوما ما!

وفي المقابل، علينا أن نسأل أنفسنا، يا تُرى كم ظلمنا أشخاصا بمجرد أن سمعنا عنهم من طرفٍ ثالث، ثم أخذنا موقفا من شخص دون أن نتعامل معه أو نحتك به فنفحص معدنه؟

فعلا، ذلك شيء خطير، ربما يجعلنا نخسر فرصة اكتشاف الحقيقة الغائبة، والأخطر أن بعض بني البشر إذا خاصم فجر، فيُشنع على من اختلف معه، وربما يختلق الأكاذيب ويلصق به التهم فقط لأنه اختلف معه!

لا تحكموا إلا من خلال تجربة، ولا تشهدوا إلا بما تعلمون، فصناعة كأس زجاجي أسهل ألف مرة من جمعه بعد الكسر!