مثلما أن الظلم في أي مكان يهدد العدل في كل مكان؛ فكذلك الإرهاب في أي مكان يهدد الأمن في كل مكان. والظلم والإرهاب متلازمان كالسبب والنتيجة. قبل عامين حذر الملك عبدالله ـ رحمه الله ـ الغرب من تراخيه عن معالجة ما يخصه بشأن الإرهاب، وقال إنهم إن لم يواجهوه فربما اكتووا بناره في عقر دارهم، وها نحن اليوم نرى أوروبا وأميركا تستنفر قواها لحماية مواطنيها.

لم يعد الإرهاب يستهدف مناطق محمية ولا أهدافا حكومية، وإنما صار يستهدف المناطق العادية المكشوفة والإنسان الذي يعيش بلا حراسة، ملعب كرة، مدرسة، صالة احتفال، شارع، مسجد مزدحم، الأماكن التي نتردد عليها أنت وأنا، وستبقى هذه الأهداف دائما مكشوفة إذ لا يمكن لأي حكومة أن تؤمن حراسة مساجدها وصالاتها وملاعبها ضد انتحاري يريد أن يقتل نفسه بين المئات من الناس.

ومنذ حادثة باريس صبغ العديد من السعوديين من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي صورهم في بروفايلاتهم في فيسبوك بألوان العلم الفرنسي تضامنا مع الفرنسيين الذي قضوا في تفجير صالة احتفال في باريس نتيجة تفجير تبناه "داعش"، بينما أعرب عدد منهم عن استهجان هذا السلوك وطالبوا بالتضامن مع أطفال سورية أولا، وهذا الاستهجان ينبع من حساسية تاريخية تجاه الغرب وليس من مودة زائدة لأطفال سورية، وإلا فنحن في المملكة منخرطون من أول يوم، رسميا وشعبيا، في الشأن السوري وما زلنا.

بينما أعرب عدد منهم عن التذكير بأن فرنسا لها تاريخ في الإجرام في الجزائر وغير الجزائر، وكأنه يقول إن هذا جزاؤها وعقاب لها. هذا الاختلاف بين السعوديين تجاه حادث الصالة الباريسية يلخص نظرتنا لمعنى الإرهاب وللغرب، وللإنسان عموما.

فالذين صبغوا صورهم بألوان العلم الفرنسي فعلوا ذلك لأحد سببين أو لكليهما؛ إما أنهم يشعرون بالحرج أمام العالم لأن الإرهابيين ينتسبون للإسلام والعروبة، فأرادوا أن يعلنوا براءتهم من هؤلاء القاتلين ومن جنسهم وفهمهم للدين، وإما لأنهم وصلوا إلى مرحلة من الوعي تفرض عليهم التضامن مع الإنسان أيا كان، وأن الضحايا بشر عاديون لهم حق الحياة مثلنا، وأن عدم التضامن معهم هو إقرار بقتلهم، وأننا حين نتعرض لحادثة مماثلة ننتظر أن يتضامن الآخرون معنا، فالإنسان هو الإنسان من أي ملة ومن أي دين، وللضحية الغربي حق التمتع بحياته مثلما للضحية السعودي ذلك.

أما الذين عقدوا مقارنة بين أطفال سورية وبين ضحايا باريس فهم فعلوا ذلك لأنهم يجدون حرجا في التعاطف مع الغربي "الكافر" فهو في النهاية كافر، وليس لأن أطفال سورية مسلمون. وهذا الموقف انتقائي وخائف وغير مدرك أن تأييد القتل المجاني في باريس هو تأييد للقتل المجاني في مساجدنا، كما أن عقد مقارنة بين أطفال سورية وبين الضحايا الغربيين ليس مقارنة معقولة إطلاقا.

وكذلك الذين أشاروا إلى جرائم فرنسا الاستعمارية إنما يحصرون أنفسهم في لحظات تاريخية ماضية ليس لضحايا باريس علاقة بها، بل هي جرائم الحكومات الفرنسية، ويمكن التعبير عن إدانتها بشكل منفصل عن ضحايا الإرهاب.

قتل الآمنين الأبرياء هو هو في كل مكان، سواء في باريس أو بروكسل أو الرياض أو نجران، والسكوت عنه تأييد له، ولا يوجد سبب واحد للتردد في إدانته بكل الظروف والأحوال. هذا موقف مبدئي على المستوى الأخلاقي والديني والإنساني. موقف يجب اتخاذه بصرف النظر عن كل اعتبار آخر.

نحن من هذا العالم وعلينا أن ننتصر للمظلوم حسب استطاعتنا، وأن نتضامن ضد كل عمل يهدد حياة الإنسان، علينا أن نفعل ذلك ونعلنه ونشعر العالم كله أننا ضد القتل المجاني وضد الإرهاب، وأننا شركاء في الحياة ونحمي ونحترم حياة كل فرد منا أو من غيرنا.

بهذا الموقف الحاسم نحن نسهم في إرهاب الإرهاب ومحاصرته حتى لا يجد بيننا من يسكت عنه أو يرضاه، ذلك لييأس منا الإرهاب، ويدرك أننا لا نشكل أرضية له، وأننا لسنا مخزنا بشريا لدعمه ولا حتى مخزن صمت عنه أو تبرير له.